كتاب مالك بن نبي مفكر اجتماعي ورائد إصلاحي

الجزائر، وكفاح الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي في المغرب من هذا النوع
البطولي. . .
والحقيقة أنَ الأمير الخطابي لم يكتفِ بمقاومة المحتلّ الإسباني، بل
أسَس دولة، واهتئمَ بتربية الشعب وترقيته، وكان يملك منهجاً للإصلاح، وكان
يفاوِضُ الإسبان بلغة سياسية عالية. فليس الامر كما ذكر المؤلف (من أجل
البطولة المجزَدة)، وإن موجات المقاومة في الجزائر التي جاءت بعد الامير عبد
القادر كانت محاولات لا بذَ منها لإخراج المستعمر الذي دمَّرَ كل شيء، ولم
تكن هذه المقاومة كما وصفها (ثم توالت اشباح أخرى في موجة من الأحلام)
بل إن البطولة قد تتحؤَل بالجماهير إلى وعي لانتصار عقيدة وحضارة " وإنَّه من
غير الواقعي أن نغير كل الشعب ليكون واعياً يقدّم الفكرة على الشخص. وماذ!
لو لم تكن هذه المقاومة للاستعمار؟ ألا يُخشى أن يذوب الناس في ثقافة
المحتل وحضارته؟!.
ويبقى أن ما يريده المؤلف صحيح؟ فلا نحصر الأمر في ثقافة التصدّي
والتحرر من الغزاة، ونهمِلُ دراسة الأسباب التي أدّت إلى استعمار هذ5
الشعوب، وما هو الخلل في هذه المجتمعات؟ وما هي الأمراض الخُلقية التي
تجعل جزءاً من المجتمع يقبل بالمستعمر، بل يتعاون معه؟ والمطلوب هو
التعفُقُ في فهم العوامل التي تبني الحضارات او تهدمها. ولذلك رخَبَ المؤلّف
عندما انتقلت الجزائر إلى دورة الفكرة حين ظهر على المسرح جمعية العلماء
المسلمين، وكان شعارها الاَية الكريمة: " إِتَ أللَّهَ لَا يُغَر مَا بِقَوْ! حَتئ يُغَئِرُوا مَا
بِأَنفُسِهِئم " 1 الرعد: 1 1) "وكانت حركة الإصلاح التي قام بها العلماء الجزائريون
اقربَ الحركات إلى النفوس وادخلها إلى القلوب " (1)، ويرى مالك أنَ صوت
جمال الدين الأفغاني هو المؤثر (غير المباشر) في هذ 5 الحركات، فكانت
(1) شروط ا لنهضة، ص 2 3.
115

الصفحة 115