المحلية المتكرّرة تقفقُ مضاجعَ الجيش الفرنسي إلى أن جاء عام (1870 م)
وكانت الحرب بين فرنسة وألمانية، وقد هُزِمَت فرنسة في هذه الحرب، فاغتنم
الحاج أحمد المقراني - وهو أحد الرؤساء في مقاطعة قسنطينة - وأعلن الثورة،
وكان ذلك عام (1871 م).
ولكن مرة ثانية وبعد معارك كثيرة استطاعت فرنسة تحطيم هذ 5 الثورة،
وكان لذلك أثر كبير في نفوس الشعب الجزائري، فمالت النفوس بعد ذلك إلى
اليأس، وقضت القوانين الظالمة من الاستعمار الفرنسي على البقية الباقية من
نخوة الأمة ورجولتها، وتبارى الطامعون وأصحاب النفوس الدنيئة للتقرّب من
فرنسة، وغابت طبقة البيوتات الشريفة، وظهرت طبقة أخرى من المقرّبين
لفرنسة. تحولات اجتماعية كانت تتم تدريجيأ: الفطرة الأساسية فقدت بريقها،
أشاعت فرنسة شرب الخمور، ومظاهرَ الانحلال، وترك التقاليد الإسلامية،
انقرضت الصناعاتُ الخفيفة التي تعيشُ عليها آلاف الأسر بسبب منافسة
الصناعات المستوردة من أوروبة، اختفت النقابات المهنية، واختفت البرانس
والعمائم لتحل محلَّها الثياب المستعملة القادمة من مرسيلية! يصف مالك بن
نبي هذه الظاهرة بقوله: "لقد بدأ المجتمع القسنطيني يمٌصَعْلَكُ من فوقٍ،
ويسودُه الفقرُ من تحت ".
ولكن هذه الصورة القاتمة لم تمنع من بروز شخصيات وطنية أثناء
الحرب العالمية الأولى دافعت بقوة عن حقوق الشعب، وقامت بكلِّ ما تستطيعُ
من إنشاء الجمعيات أوالصحافة، أو التحدّث في المحافل العا مة، وكان من بين
هؤلاء الأمير خالد بن الهاشمي ابن الأمير عبد القادر، وهو رجلٌ جريءٌ وشجاع،
ومحافظ على الدين قولاً وعملاً، وهو أولُ سياسي في الجزائر يتخذُ جريدةً
لخدمة اَرائه السياسية، وهي جريدة (الإقدام) باللغتين العربية والفرنسية (1).
(1)
ولد الأمير خالد في دمشق (ه 187 م) وانتقل مع والده إلى الجزائر، ودرس في=
17