ورغم هذا الإعجإب بالثيخ ابن باديس، ولكن الطالب لم يتصل به، ولم
يتتلمذ عليه، وسيذكر بعدئذٍ السبب في ذلك: " لم اكن قد جالسته في حديث،
ولكنه كان في نظري لا يمثل الإصلاح، ولم أعترف بخطئي حول هذه النقطة إلاّ
بعد ربع قرن، حينما تفخَصتُ شعوري حول هذا الموضوع، حينئذٍ تبيَّنَ لي أ ن
السببَ يكمنُ في مجموعة من الأحكام المسبقة، وفي تنشئة غير كافية في الروح
الإسلامي، وأحكامي المسبقة اورثتنيها طفولتي في عائلة فقيرة في قسنطينة،
زرعت لا شعورياً في نفسي نوعأ من الغَيْرة والحسد حيال العائلات الكبيرة (1)،
فتب! ة بسبب حياتها الخشنة منحتني نوعاً من التعالي على كلّ شكل من الحياة
المرفهة، وكان الشيخ العقبي يبدو في ناظري بدوياً، بينما يبدو الشيخ ابن باديس
بلد ياً (مدنياً)، وفي عا م (7 4 9 1 م) وصلت إ لى ا لاعتراف ا لكا مل بهذ ا ا لخطأ " (2).
صحَحَ مالك نظرته إلى ابن باديس بعد وفاة الشيخ، ولكنني اعتقدُ أن بيئته
الفقيرة التي وصفها "والدُورُ المترفةُ التي تفضج امام ناظريه بؤسَ خالته بهية "،
وحياة الكد والتعب التي لقيها بعد تخزجه، وقراءاته الكثيرة لجريدة (الإنسانية)
الشيوعية، التي كانت "تروي ظمئي الوطني! كما يقول، كل هذا سيبقى له تأثير
في كتابات مالك وا تجاها ته.
ومن المظاهر المؤلمة التي لاحظها الطالب في قسنطينة: تقدُم أوضاع
الجالية اليهودية بسبب دعم الفرنسيين لهم، كما زاد عدد الأوروبيين في بلدته
التي نثأ فيها (تب! ة) التي سلصت في البداية من هذا الوجود لقربها من البادية،
ولانَ تربتها لا تستهوي المستعمر الأوروبي.
(1)
(2)
واليئ ابن باديس ينتمي إلى عائلة عريقة في المجد والعلم، ويرجع نسبه إلى
المعز بن باديس حاكم شمال إفريقية زمن (العبيديين).
مذكرات، ص 1 3 1.
28