كتاب مالك بن نبي مفكر اجتماعي ورائد إصلاحي

5 - انسان ما بعد الموحدين
حسب نظرية مالك في دورة الحضارة، وائها تمزُ بمراحل ثلاثة: مرحلة
الروح، ومرحلة العقل، ومرحلة الغربزة: فقد اعتبر أنَ المرحلة الأولى من
الحضارة الإسلامية انتهت بمعركة صفين، وانتهت المرحلة الثانية بسقوط دولة
الموحدين في المغرب والأندلس، حيث سقطت حضارةٌ لفظت اخر أنفاسها،
وما بعدها كان الانحدار والتخفف، "وكل الذين جاؤوا بعدَ الموحّدين لم
يستطيعوا منحَ العالم الإسلامي حركة لم يعد هو يملك مصدرها؟ فعندما يتوقّف
إشعاع الروح يخمد إشعاع العقل، ويفقد الإنسان تعطُّشَه إلى الفهم وإرادته
للعمل " (1)، وكل الأمراض الاجتماعية التي يعانيها الفرد المسلم في هذا العصر
هي من اثار عصر (ما بعد الموحدين).
وقبل أن ننافش مالكاً في تقسيمه لدورة الحضارة الإسلامية وعصر ما بعدَ
الموخدين لا بدَ ان نلفتَ النظر إلى انَ هذا التقسيم غير دقيقٌ، فلم تكن معركةُ
صفين بداية الانفصال بين الروح القراَنية والحمية الجاهلية كما وصفها!! بينما
نجدُ أنَ رسولَ الله! شًرِر يصف الفئتين بالإيمان عندما قال عن الحسن - رضي الله
عنه -: "إن ابني هذا سيدٌ يصيحُ اللهُبه بين فئتين عظيمتين من المسلمين ".
لا شك أنَ الحق كان مع علي - رضي الله عنه - وأنَ معاوية وفئته بغوا عليه،
وصِفين حدثٌ كبير، ولكن الانفصال الحقيقي الذي أدى إلى ضعف المجتمع
الإسلامي شيئاً فشيئاً هو ذلك الضعف الأخلاقي والانفصام بين القول والعمل
بسبب ضعف الدافع الإيماني، وظهر التفزق في بداية القرن الثالث، ودخل علمُ
الكلام وتُرجمت الفلسفة اليونانية، وتحول المجتمع إلى الجدل العقيم.
وقول مالك أنَ بداية التخفف كانت بعد سقوط دولة الموحدين (1 54 -
(1) وجهة العالم الإسلامي، ص 27.
83

الصفحة 83