ويذكر كرد علي رأيه في الأخلاق الشاميّة، إذ يُقَسِّمها إلى طبقتين
(الوسطى والعليا)، و (الطبقة الدنيا) فيقول:
يُعدُّ من الطبقة العليا العلماء والعظماء والقوّاد وأرباب الأموال،
ممّن يُسيّرون الجماعات إلى حياتها أو موتها، وينفثون في روعها
ما يرفع مستواها العقلي، ويطفرون نفوسها من الاَثام والاَلام،
وبأيديهم زبدة ثروة الأمة وجهودها، وإليهم منتهى ما بلغته قرائج
أبنائها، يمثلون التسلسل في الفكر، وتتجسّم فيهم الإرادة الثابتة،
والعزيمة الصحيحة، وهم صورة البيوت الخالدة، ومنعك! التأثيرات
الطريفة والتالدة، ومثال الشعب ورقيه، ووجهه الوضاح الجميل،
وفي قبضتهم مفاتيح المفاخر، ومغاليق الماثر، وهم المذكورون،
وهم المشهورون، ومصير غيرهم إلى الخمول والعفاء.
من أجل هذا كان على تلك الطبقة ان تتحلَّى بِحُلَى الفضيلة
والشرف، وان تكون عفيقة الطُعمةِ، حسنة الأحدوثة، بعيدة عن
الموبقات والبذخ والسَّرَف، حريصةً على النهوض بالأمة، تشارك في
المسائل المدنية عن عقيدة راسخة، وتأخذ بأيدي العاثرين والبائسين
وتلقّنُ أبناء أمتها علماً ينتج الثروة، ويحفظ المجد، ويولي
الكرامة " (1).
إنّ كتاب (خطط الشام) هو مفخرة للشاميين كفخرهم ببلادهم، لما
أورد فيه مؤتفه من علم واسع بمنهجية واضحة، حتى إن مصادره
المخطوطة المودوعة اسماؤها في اَخر الكتاب بلغت نحو اثنين وسبعين
مصدراً، غير المصادر المطبوعة بالعربية والأجنبية.
والحق المرلِّفُ في نحو خمس عشرة صفحة نبذة عن حياته ومنشئه.
(1) خطط الثام 6/ 6 1 3.
108