والثانية: في شتاء سنة (13 9 1 - 4 91 1)، والثالثة: في سنة 0 34 أ هـ-
(1921 - 1922)، وأنا على مثل يقين بأنّها لا تحمل من مطاويها من
تلك المدنية الساحرة إلا بقدر ما تصل إليه يدُ عابر سبيل، ويتفطّن له
فكر النزيل والدخيل ".
والذي يشهدُ له واقعُ الحال أنّ هذا الكتاب من ادب الرحلات
يُضاف إلى موروثنا العلمّي والادبيئ في ذلك، وصف فيه رحيله من
دمشق إلى لبنان، فمصر، فباريس، فالاَستانة، ثم رحلته الثانية إلى
مصر، وإيطالية، فسويسرة، ثم الرحلة الثالثة وذكر فيها مصر،
وفرنسة، والبلجيك، وإنكلترة، والأندلس، وألمانية.
تميزت مقالات كرد علي في هذا الكتاب بذكر أوصاف وأمور يغفل
عنها كُتاب الرحلات عادة. لذلك فهو يؤرّخ لعلماء المشرقيّات في كلّ
بلد زاره، وكذلك احوال الطباعة، والنشر، والصحافة، والمتاحف
والاَثار، والمكتبات، والمخطوطات، والمجامع، والجمعيات
العلمية. فضلأ عن العادات ووصف المجتمعات والمنتديات ودور
التمثيل والاجتماع، والمذاهب، والقوميات واللغات، وعلائق
العرب بتلك الأمم.
ففي رحلته الأولى إلى فرنسة يتكلّم كرد علي عن الاَداب والعلوم:
"أفا نشاة الاداب والعلوم فلكل منها تاريخ، ويقال على الجملة: إنّ
اللغة الفرنسوية هي بنت اللغة اللاتينية، تكوّنت على صورة غريبة،
إلى أن وصلتْ في عشرين قرنأ إلى حالتها الحاضرة، وكانت أدبياتهم
دينية لأؤَل أمرها، وبعضها شعرممن ونثريّ، وأكثرها خرافيّ، ولم
تخلص اللغة من القيود العائقة إلا في القرن السابع عشر والثامن عشر
والتاسع عشر، وتاريخ العلم ونشوؤه فيها طويلٌ كتاريخ الأدب، ويقال
على الجملة فيه: إن مرسيلية كانت مدة قرون مبعث العلم الوحيد في
118