الشافعية والحنفية والحنابلة والطب، ثم أردف ذلك بالكلام عن مدنيّتها
وبعض مظاهر الحضارة فيها، إصْافة إلى الأخلاق والعاداة السائدة
فيها، وجعل الفصول الأخيرة للقرى والقصور والديور الداثرة.
أما "وحي الغوطة " فهو الفصل الأخير من كتابه، وصْح فيها
شعوره، وما حاك في نفسه، وما علمته العْوطة.
- يقول كرد علي: "اتى لي في الغوطة سبعون سنة، تسلِّمني
الطفولةُ إلى الشباب، والشبابُ إلى الكهولة، والكهولة إلى
الشيخوخة، ولا قيتُ ربيعها وصيفها، وخريفها وشتاءها، وما لقيتُ
إلا نضرة وسروراً.
أنعشني هواؤها، وأدهشتني أرضها وسماؤها، وما فتئت منذ
وعيتُ أقرأ في صفحة وجهها الفَتَّان اَياتِ الإبداع والإعجاز.
في ربوعها شهدتُ الطبيعةَ تقسو وتلين، وتغضب وترضى، وتشحُّ
وتسمجُّ، فراعني جمالها وجلالها، وشاقني تزيدها واتزانها.
نشقتُ أنفاسَ رَيّاها، وهي ترفل في زهرها ووردٍ ها، واستهوتني
مجزدة من ورقها وثمرها ونباتها، فأخذتُ بها كاسية عاريةً، وطابت
لي مطيَّبة وتَفِلَة " (1).
"هِمْتُ بسحرها في سَحَرِها، وبشمسِها تأفُلُ وراءَ شجرها، وراقني
وابلُها وطَلُّها، ونَداها وضبابها، وجليدها وجَمَدها، وثلجها،
وبَرَدها، وودقها وزمهريرها، ونسيمها وأعاصيرها.
غَنّتني طيورُها بأطيب الأنغام، ترددها من وكناتها في جنّاتها،
وما تبرَّمتِ الأذنُ بنعيق البوم، ونعيق الغربان، وعُواء ابن آوى،
ونباح الكلاب، ونفيق الضفادع في المظلم والمقمر من لياليها،
(1)
غوطة دمشق، محمد كرد علي، ص 199.
1 2 1