كتاب محمد كرد علي المؤرخ البحاثة والصحافي الأديب

إليها يدُه، فيقول في الجاحظ: "لم يضع أبو عثمان كتاباً خاصأ في
الفلسفة، ولكن تاَليفه تنمّ عن طول باعه فيها، وهل الفلسفة إلا علم
العقل؟ وعقلُ الجاحظ كان يحكّمه في كلّ شيء، وما قام في الإسلام
عالِمٌ جمع في صدره العلوم الدينية والدنيوية مثله، ولا مَن الف هذا
القدر من التاليف الممتعة، فقد ألف ثلاث مئة وخمسين رسالة صغيرة،
منها ما ك! ره على بضعة مجلدات، ومنها ما كان في رسالة صغيرة،
ضاع اكثرها، ولا سيما كتب الدين، لأن خصومه اثاروا عليه حربأ
شعواء في عصره وبعد عصره، فكان مَنْ تحيلهم على طمس اثاره أ ن
يُبِيدوا كتب عدو مذهبهم، وافلتت من براثنهم بعض أسفاره، فكان
منها كتاب (الحيوان) و (البيان والتبيين) و (كتاب البخلاء) إلى غير ذلك
من الكتب والرسائل " (1).
ويصف براعة الجاحظ فى تعليم الناس من كتبه: "وأمّا (البيان
والتبيين) فهو أؤل كتاب عَفِّم طلاب البلاغة بالعمل لابالقواعد،
وبالئصوص والشواهد، لا بالتعريفات المملة، كما كان ممن جاؤوا
بعده.
كان الجاحظ م! اعرف المؤلّفين بأمزجة القزاء، ويعرف أن الجد
مملول، ولا بد من المرح والدعابة، لئلا يسمج، لذلك مزجه بهذه
الإفاضة، لئلا يكون مما كتب شيء لا تهضمه النفوس، يُرى ذلك
ماثلأ في كتاب (البخلاء)، وفي كتاب (التربيع والتدوير) الذي كتبه في
احمد بن عبد الوهاب، يعبث به، هو من أهمّ ما ألّف في السخرية
والتهكم، تجقى فيه فنّ الجاحظ تجلّيه في كلّ موضوع خاض غماره
وتجشَمت فيه خفة روحه " (2).
(1)
(2)
كنوز ا لأجد اد، ص 78.
كنوز ا لأجد اد، ص 9 7.
126

الصفحة 126