والظاهر انّ السبب المهمّ في وضع كتابه أنّه شاهد تبدّلاً في حال
مصر بعد ابن طولون، فحدَّثته نفسه أن يضعَ تأليفاً يخلّد فيه ماَثره،
ليجعل من سيرته مهمازاً لمن يأتي بعده من الولاة والأمراء، وليتفطّنوا
لِسَعةِ فضل ذاك الاَخذ بمخئق الممالك، والدرّاكة بترويض الناس على
الطاعة.
وقد أكثر البلوي الاعتذارَ ع! اب! طولون في كلّ ما صدر عنه من
شدّة، وما استطاع في بعض الأخبار النابية عن حدّ العقل ادْ يذيلها
براسه فسارع في روايتها.
وطريفة البلوي في تاريخه إيراد الحوادث، وقد يحلّلها ويعلّلها أ و
يصرّح برأيه وشعوره أحياناً، ويروي الأخبار بأسانيدها على النحو الذي
كان يعمدُ إليه الرواةُ وأرباب السير في القرون الأولى.
يقول كرد علي: "والبلوي بليغ يُحسِنُ الوصفَ، ويؤثر السلامة،
ويكتب بلاتَعَمّلى، وعبارته خالية من السجع في الجملة، وفيها
ازدواج، ولها رنّة. وكان إذا ارادَ أخْذَ بعض ما ورد في كتاب مطوَّل
طرح الأسجاع أولاً، ثمّ أتى على المكررات حتى يأتي تأليفه نسقاً
واحداً، لا يبدو فرق كبير بين ما يكتبه اهو) ويكتبه غيره " (1)
وقد قام الأستاذ كرد علي لإحياء هذا الكتاب من أوراق دشت في
المكتبة الظاهرية مكتوبة بخط قديم (2)، ولم يستطع العثور على نسخة
أخرى، وقد قال فيه: "لا جرم أنّ في نشر كتاب البلوي إحياءَ مادةٍ
جديدة في تاريخ مصر والشام، ولوناً طريفاً من أدب عصره الجميل، فيه
حلاوة وطلاوة، وألفاظاً فصيحة ومعزبة في شؤون الحياة كالْت مألوفة
(1)
(2)
مقدمة (سيرة أحمد بن طولون)، ص 0 1.
الدها ن، ص 9 4 2.
149