كتاب محمد كرد علي المؤرخ البحاثة والصحافي الأديب

سياسية، بعد أن صدر (المقتبس) ثلاث سنين فى القاهرة مجلة شهرية
علمية، وعدتُ إلى إصدار المجلة أيضاً.
وكان (المقتبس) السياسي معتدلا بلهجته، وطنئأ بمسلكه، ينتقد
ما يمكنه نفده من مواطن الخلل في الإدارة العثمانية، وما رمى إلئ
الانفصال عن الترك قط، بل كان يرمي إلى استحصال حقوق العرب
ضمن الجامعة العثمانية الكبرى، فلم يرقْ هذا - أيضأ لبعض رجال
الدور الحميدي، واخذوا يُفاومون (المقتبس) وصاحبه، ويقيمون
عليه الدعاوي المزوّرة، يصدرها الظالمون المرتشون من الموظفين
ممن دأبْنا على الكيد لهم، والعمل على تنحيتهم، حتى جاء زمن
وعلى (المقتبس) عشرات من الدعاوي، يطلب فيها أصحابها جزاء
المفتري على الاكثر، لأنّهم أبرياء بزعمهم مما نُسب إليهم.
ومن أغربها دعوى الوالي الحميدي عليئَ في السنة الاولى واتهامه
إيّاي بالارتجاع، أي إرجاع عهد عبد الحميد الاستبدادي، وهو الدور
الذي بكيت من أهواله، وقد هجرتُ الأهل والوطن فرارأ من كابوسه،
ولكن أعمالي في خدمة الحرية سنين طويلة، كذبته وأشياعه من
الحميديين الاتحاديين وقد اضطررتُ في هذه الدعوى إلى مغادرة
الشام، فركبتُ البحر إلى فرنسة، وأخذ الوالي يهدِّد القضاة بالعزل إذا
لم يحكموا عليئَ بالجناية. . " (1).
انتظم كرد علي في سلك (جميعة النهضة العربية)، وكانت سرية في
عهد السلطان عبد الحميد، ثم أشهرتْ بعد إعلان الدستور العثماني،
وكان من أبرز أعضائها، وكان لها أنشطة مختلفة ترمي إلى رفع مستوى
الشعب، وبثّ الروح القومية فيه (2).
(1) خطط الثام 6/ 338.
(2) محمد كرد علي: مؤسس المجمع العلمي العربي، ص 4.
28

الصفحة 28