كتاب محمد كرد علي المؤرخ البحاثة والصحافي الأديب

ولقد استحكمت الصِّلةُ بين التلميذ وشيخه بعد حين حتى قال عنه:
" إنّه صدر الحكماء، وإنّه مَنْ أشرب قلبي حبّ العرب، وهداني إلى
البحث في كتبهم ".
كان ىد علي يُكبر فيه روح الإصلاح والتجديد، وتأسيسه المدارس
الابتدائية في معظم الديار الشاميّة، إذ ألّف لها الكتبَ، وعلّم
المعلّمين أصول التربية في زمنٍ لم يكن فيه ما يُقال له علم إلا بعض
فروع الففه وبعض الأحاديث الموضوع أكثرها، أمّا ما يُطلق عليه اسم
الأدب، الذي كان يدرِّس، فيصفه كرد علي (1): فسخيف النظم
والنثر، ولم يبقَ للبلاغة في الخطب والدروس شيء يُذكر، ولا لكلام
الوعّاظ والقُصّاص ما ينفع العامّة.
قال عنه كرد علي (2): "وإنّه يندر فى المتأخرين من علماء دور
الانحطاط الفكري نبوغ رجل مثله. وعى صدره من ضروب المعارف
ما وعى، وطبق مفاصل الشريعة علئ علوم المدنية، فقد كان متضلّعاً
من علوم الشرع. وتاريخ الملل والنِّحل، منقطع القرين في تاريخ
العرب والإسلام، وتراجم رجاله، ومناظرات علمائه وتاَليفهم
ومراميهم. كان إماماً في علوم الأدب واللغة، إذا سألتَهُ حل مسألة تظن
الشيخ لا يعرف غير هذا العلم، وإذا استرشدته في الوقوف على مظان
موضوع تريده أطلعك من ذلك في الحال على مالا يتيسّر لغيره الظفر به
بعد الكشف عنه أياماً، وهكذا هو في علوم الشريعة، ولا سيما التفسير
والحديث والأصول. وكان يعرف السياسة، وما ينبغي لها، وحالة
الغرب واجتماعه، والشرق وأممه وأمراضه معرفة أخصائي لا معرفة
نُتَفة. ولا يكاد جليسه يصدق - إذا انكفأ الشيخ يتكلّم في هذه
(1)
(2)
ا لمذكر ات 2/ 3 4 6.
انظر كرد علي في كتابه (كنوز الأجداد)، و (المعاصرون) ص 0 27.
47

الصفحة 47