كتاب محمد كرد علي المؤرخ البحاثة والصحافي الأديب

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
لا يختلف اثنان في فضل الأستاذ محمد كرد علي على الناس في
العربية، وقد يختلفان فيما غير ذلك. ذلك أنني قد اتفق معه في بعض
الاَراء الواردة في كتبه، واختلف معه في بعضها الاخر.
وفضلُه الجليّ الأوّل يظهر في اته أوّل مَنْ أشَس مجمعاً علمياً في
العالم الإسلامي بعد أن رأى الفرنسيين قد أشَسوا مجمعاً لهم، ثم ساعد
المصريين في تأسيس (مجمع فؤاد الأول) في القاهرة، الذي سُمّي فيما
بعد (مجمع اللغة العربية)، ذلك أنّ الملك فؤاد شاء أن يمْيدَ من تجربة
دمشق السابقة، فقدّم له كرد علي في لقاءً بينهما عام 926 1م صورة
صادقة عن هذه التجربة.
إنّ عبقرية كرد علي أراها في شيئين:
الأولى: في تكوينه العلمي وتحصيله، فإنّ كرد علي رجلٌ لم يكن
من حَمَلة الشهادات، ولا من خرّيجي المدارس العالية، بل إنه رجل
عصاميّ العلم، ذاتيُّ الاجتهاد، اعتمد على نفسه في تحصل ما يجب
تحصيله لأكابر أهل العلم. فكان شغفه بالقراءة عجيباً، فلبس النظارة
يافعاً، وهو في سن الحلم، حتى استحى من لبسها، فشجّعه الطبيب
على لبسها وقال له: يا بُنيئ إنّك محروم من نصف الدنيا!.

الصفحة 5