كتاب محمد كرد علي المؤرخ البحاثة والصحافي الأديب

انّ الأستاذ الرئيس استدعاه إلى مكتبه في يوم من أيام صيف عام
1925، وسأله ألم تتلق دعوة المجمع لحضور الحفلة التي سنقيمها
بعد هنيهة لتكريم أمير الشعراء (أحمد شوقي) لكي تغطي وقائعها في
(ألف باء)؟ قلتُ: بلى يا سيدي، وكنتُ في طريقي إليكم. . قال:
ولكنني دعوتُكَ لأمرٍ اَخر، فقد وقع اختيارنا عليك لِتُلْقِي في الحفلة
قصيدة الاستاذ خليل مردم بك (وكان من عادته أن لا يكلقي قصائده
بنفسه، بل يعهد بإلقائها إلى الاَخرين) ثمّ دفع إلي القصيدة وكانت
قصيدةً عامرةً، ولكنّها مكتوبة بخطّ مضطرب وطويلة جدّاً. قلتُ: هذا
يا سيّدي شرف! عظيم لا يُدانيه شرف، فأشكركم على ثقتكم الغالية،
ولكنّ الوقت ضيّق، والقصيدةُ كما تلاحظون طويلة، فأحتاج إلى
بعض الوقت لمراجعتها وتفحّص ألفاظها، فالوقت ضيّق، والموقفُ
رهيمث، وأخشى أن لا يواتيني الحظ لأداء هذا الواجب، فأتعثرُ في
إلقائها. فأجابني وهو يداعب بأصابعه سلسالاً كان كثيراً ما يعبث به:
"في مثل هذه الظروف الدقيقة، يجب أن تُبرزوا مواهبكم معشر
الشباب، فلا بدّ من أن تلقي القصيدة مهما كلّفك الأمر من جهد وعناء
فتوكّل على اللّه " (1).
ويذكر الأستاذ كرد علي في (مذكراته) إشادة بشباب عصره. .
فيقول: "ومنهم مَن عاد إلى وطنه بشهادات تدلُّ عن دراساتهم النافعة
مثل السيد أنور سلطان، والشيخ علي الطنطاوي، ويزيدُ هذا إلى علمه
وفقهه أنه كاتب من الطراز الأول، وهو من الطبقة التي تُحسن ادب
العربية إحساناً يُساعدها على فهم الشريعة اكثر من الجامدين ومن قلَّتْ
عنايتهم بهذه الفروع " (2).
(1)
(2)
محمد كرد علي، ص ه 31.
المذكرات 2/ 5 9 5.
75

الصفحة 75