وأخذ يحدّثني عن ذكرياته مع العمامة، ثم قال لي: سأُعلّمك كيف تفوم
بتكويرها وبنائها، وكان يرى أنّ العمامة (المتكلّفة) غير محببة للنفس،
خاصّة، كما يفعل علماء الدولة العثمانية سابفاً.
فقد لبس الشيخ الزرقا العمامةَ منذ أن كان طالبأ في المدرسة
الخسروية (الثانوية الشرعية) في حلب، ثم في دمشق وهو طالب في كلية
الحقوق، وبقي يلبسها وهو أستاذ في جامعة دمشق، واستمرَّ في لبس
العمامة حتى جاء عام (954 ام) وهو العام الذي تسلَّم فيه العقيد أديب
الشيشكلي رئاسة الجمهورية، حيث اصدر قراراً يمنع بموجبه الشيوخ
والقضاة والعلماء من لبس الجبة والعمامة المعروفة في ذلك الوقت، وهي
المعروفة لدينا الاَن - وألزمهم أي: رئيس الجمهورية - بلباس خاص
منتقد، فيه إهانة للمشايخ والفضاة، فكان القرار مضحكاً مثيراً للدهشة،
وذلك لأن الشيشكلي لم يفعل ذلك عبثاً، وإنَّما كان يفصد إهانة ثلاثة
أشخاص ومضايقتهم، وهم: الدكتور مصطفى السباعي، والشيخ
مصطفى الزرقا، والدكتور معروف الدواليبي رحمهم اللّه جميعاً.
وعلم الثلاثة بالأمر والمكيدة، وكان الشيشكلي قد أعطاهم مهلة
قدرها أربعة أشهر لتنفيذ القرار، ولكنَّهم اتفقوا على البقاء في البيوت،
ليتبيَّنوا جدئة الأمر وإلزاميتَه، وبالفعل كان الأمر جدياً، وسيق بعض
المشايخ إلى السجن لعدم طاعة الأوامر، وهنا قرّر المشايخ الثلاثة ترك
الجبَّة والعمامة، ومنذ ذلك التاريخ خرجوا دون عمائم حتى توفّاهم اللّه
جميعاً رحمهم اللّه.
5 1 - الزرقا وممارسة العمل السياسي:
جمع الشيخ الزرقا بين العهد العثماني في أُخريات أيامه، والعهد
الجديد الذي تمثَّل بقيام الدول العربية التي انفصلت عن الدولة العثمانية
103