كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

وكنتُ جمعتُ جذاذات شتّى، تتضمَن شيئاً من جهود الأستاذ
العلمتة لأصوغَ منها ما يدلُّ على اتجاهه العلمي في ميدان التأليف، ولكنَّ
الوقوف على تاريخ النشأة العلمية التي أهَّلتْه لهذا السبيل كان متعذّراً
عليَّ، حتى وقع في يدي الجزء الثاني من كتاب (علماء مفكرون عرفتُهم)
للأستاذ الجليل محمد المجذوب، وقد تضمَّن ما يشفي الغلّة في هذا
المجال، إذ أقام الأستاذ المجذوب حواراً بينه وبين الأستاذ الزرقا تضمَّنَ
الكثيرَ من تاريخه طِفلاً فغُلاماً فشابّاً فأستاذاً كبيراً.
منه عرفتُ أن الأستاذ ولد في سنة (07 9 1) ميلادية، ونشأَ في كنفِ
والدٍ كريم، رُزق أكبرَ حطّ من المعرفة الإسلامية ديناً وادباً، وكانت له
قيادة علميةٌ في وطنه، جعلته محطَ الائظار، واَلهصتْ ولَده أن يقتديَ به
منذُ عرف معنى الحياة، ومن سعة نظر هذا الوالد انَّه ألحق ابنَه بالمدارس
المدنيّة (مدرسة الفرير) ليصِلَ أسبابَه بالمواد الحديثة، وليتعلَّمَ اللّغة
الفرنسية، وكأنّه رأى بثاقبِ فكره أن في دراسة هذه الموادّ ما يفسجُ تفكيرَ
الغلام الناهض، على أن يقومَ هوَ بتدريس المواد الشرعية والأدبيّة له،
وهذا ما كانَ فعلاً، حيث اشتدَّت الصلة العلمية بين الأب والابن، لدرجة
أنه كان ينام معه في حجرة واحدة ليظلاّ يتحدَّثان ويسمران في اوليات
الثفافة العلمية، على نحو لا يُوحي برهبة الدرس وخشية المعلم، وكانَ
للوالد اتجاه إلى الادب ظهر أثرُه في اتجاه الابن، إذ تنقل به الحالُ إلى
مدارس شتّى حتى نال البكالورية، والتحَقَ با لجامعة في دمشق.
ولعلَّ الأستاذ قد أفصجَ عن ميله حين قال (1): "كنتُ منذ العاشرة
أحفظ الآلاف من أبيات الشعر، وأُقبل على قراءه القصص، حتى لأستظهر
__________
(1) من كتاب الأستاذ المجذوب المشار إليه.
15

الصفحة 15