والحقيقة اني رأيتُه نسيجَ وحدِه في فقه الواقع - ولا سيّما في
المعاملات - وله بصيرة متميّزة في التمييز بين المتشابهات، وإدراك
الفوارق الدقيقة بين الأشياء، التي يغفل عنها الكثير من العلماء.
اذكر هنا مثالين من فتاويه للتوضيج.
أحدهما: تفريقه بين القرض الفردي والقرض الجماعي، فالقرض
الفردي (الشخصي) لم يجز أن يزاد عليه ولو فلساً واحداً، اما القرض
الجماعي فينظر إلى المقصد الكبير، وهو إدامة وجود رأسمال يستفيد منه
اكبر قدر ممكن من المنتفعين، وهنا لا بد من الحفاظ على رأس المال،
وذلك بإيجاد جهاز إداري يقوم بمتابعة استرداد المبلغ، ولا بد من ا لإنفاق
على هذا الجهاز الإداري، ولما كان أحق الناس بدفع قيمة المصروفات
هذه للحفاظ على راس المال هم المنتفعون من الصندوق، فلا بأس من
اقتطاع نسبة معينة فوق المال المقترض لتغطية نفقات هذا الجهاز، شريطةَ
أن تغطيَ هذه النسبة كلفة تشغيل الجهاز فعلياً بشريأ ومادياً من اجور
ونفقات، ولا يجوز ان تصبج فا ئدة باسم جديد".
أما شيخنا رحمه اللّه فيقول عن منهجه في (الفتاوى):
"والمنهج الذي بنيتُ عليه في أجوبتي انني لم أتقيّد بمذهب معيَّن
فيها، بل اختار من المذاهب الفقهية في كلّ حادثة وسؤالٍ ما اراه أكثر
ملاءمةً لظروف الحال والزمان، وأكثر جَرْيأ وتوازنأ مع المقاصد العامة
للشريعة، وأرفقَ وادفعَ للحرج، وأبعدَ عن التضييق، سوى ما يستدعيه
مبدأ سد الذرائع للاحتيال على الحكم الشرعي، ويخشى فيه سوء
التطبيق، فإني أرى الشريعة الإسلامية السَّمْحة الخالدة لا يمثِّلها مذهب
واحد، أيا كان، وإنما تمثّلها مجموعة من المذاهب الفقهية والاجتهادات
151