كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

رابعاً: في الشعر
كان الشيخ رحمه اللّه شاعرا رقيقأ، مرهف الحس، واسعَ الخيال،
ذا موهبة شعرية، يترقرق عن شعره ماءُ السلاسة، وتتضوّع من ابياته
نفحات من شذى العَرف الندي، وتأخذُ بالألباب عذوبةُ ألفاظه الجزلة،
فإذا قراه بنفسه حسبتَ انك أمام عدي بن الرقاع العاملي، وهو يصفُ
الظبية في حضرة عبد الملك بن مروان، أو ابن الرومي وهو ينسج مراثِيَهُ،
أو عزيز أباظة وهو ينظمُ قصص العرب مسرحياتٍ أدبية رائعة.
وِلئن كان نُقّاد الشعر - فيما يزعمون يرَوْن أنّ شعر الفقهاء يصطبغ
بصبغة فنِّهم الففهي، حتى إنّ ابيات قصائدهم لتنْبى بصنعة قائلها، أقول:
لئن عابَ النقادُ على كثير من الفقهاء هذه السِّمَة، إلا ان هذه المقولة لا
تصدق على شعر الشيخ الزرقا ولا تنطبق عليه (1)، وديوانه شاهد على انّه
كان يستخدِمُ أساليبَ العرب وقواعدَهم في نظم الشعر على البديهة، دون
تكلُّف، ودون أن تطغى اساليبُ لغة الفقه على اساليب البيان والفصاحة.
لقد كالط الشيخُ شاعراً يفدِّرُ الشعرَ الجيدَ ويحفظه، كما كان يقول هو
عن نفسه. " أنه ومنذ نعومة اظفاره قرا معظم دواوين العرب وموسوعاتهم
التي تحوي الشعرَ وقَصَصَه، (كالأغاني)، و (العفد الفريد)، (والبيان
(1)
إلا نادراً كقوله رحمه اللّه:
قد مَضَى شَطْرُ حَيَاتِي وأنا
لم أزل صَئاً به مُرَتَهنا
169
أَجْتَنِي العِفمَ هَنا أو هَا هُنا
وماَلُ الزَهْنِ أن يَغْلَقُ بي

الصفحة 169