كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

الثاني من التطور أي: التطور التقويمي والسلوكي، لأنّ الدينَ هو تلك
النصوص الدينية نفسُها، فما دامت موجودةً ثابتة فلا تطوُّرَ فيها، إلاّ إذا
فقد أصلَه، واعتراه التغييرُ والتبديلُ، فإنَّ الدينَ السماويَّ عندئذ يلتحق
بالنوع ا لأول في إمكان تطوره نفسِه.
وعندما نتساءلُ عن الاسلام والتطور، وهو موضوع بحثنا، فإني لا
أرى المفصودَ به تطورَ الدين نفسه بالمعنى الاَنف الذكر، وإنّما المراد به-
في تقديري - التساؤلُ عن موقف الإسلام من تطور الحياة البشرية في
اوضاعها وعاداتها وتقاليدها وقيمها الاجتماعية وسلوكها في بناء الأسر
وما إلى ذلك، وما حكمُ الإسلام في هذا التطور، ومدى رضاه عنه وإقراره
له، وتسامحه فيه، باعتبار منافا ته لأوامر الدين وتوجيهاته، أو عدم منافاته
لها، أو درجة تلك المنافاة، وليس المرادُ التساؤلَ عن تطور الإسلام
نفسه، لأن الإسلام مرتبط بنصوص ثابتة محفوظة لا تتغيَّر ولا تتبدل، وِفا قاً
لقوله تعالى: " إِنَّانَحْنُ نَزَّثنَا اَلذِّكرَوَإِنَالَهوُلَجَفِظُونَ"] الحجر: 9) " (1).
وفي ختام المقام ذكر ان المبادئ الأساسيةَ، والكليات، والقواعدَ
الصحيحةَ، التي يقوم عليها بنيانُ العدل في الحياة، فوقَ مُتناولِ
الاختلافات النظرية، أو التطور والتغيير، في جميع البيئات، وقد جاءت
نصوصُ القرآن والسنة كاشفةً ومؤيدةً لهذه القضايا الثابتة.
إنّ هذا البحث الذي قدّمه الشيخ مصطفى - رحمه اللّه -حريّ بأن
يُدْرَجَ ضمنَ وحدات مواد الثفافة الإسلامية، لما فيه من تحليل دقيق،
وفهم عميق، لهذه المسألة الفلسفية المحيِّرة، التي يتذرَّعُ كثير من أعداء
الإسلام بإيرادها.
(1) المصدر السابق نفسه.
185

الصفحة 185