كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

د - وإما أن يأخذَها منه، ولا ينتفعَ بها أصلأ. . . بل يعطيها الفقراءَ
صرفاً لها إليهم، ولا يحتسبها من زكاته، ولا صدقة من حر ماله، بل هو
وسيلة نقل لها فقط.
ثم بدأ يفنِّدُ هذه الاحتمالات ففال:
فأما الحل الأول (أ) فليس محلّ توهم اصلاً، بل هو مرفوض قطعَاً
لأنه أكل للربا.
وأما الحل الثاني (ب): فهو محل للتوهم أنْ يكونَ مقبولاً شرعاً
بزعم الورع، فأقل ما يقال في هذا الحل أنَّهُ تصزُف غير موزون، ويدخل
في دائرة الورع البارد، لأنه إعانة للمصرف الربوي، وتقويةٌ ماليةٌ وتنشيط
له على المراباة، والإعانةُ على المعصية معصيةٌ. . .
وأما الحل الثالث (!): فلا اظن عاقلاً يفول إنّه حَل مقبول شرعاً؟
ف! تلاف النقود وسائر الأموال النافعة، بعد حصولها في اليد، ولو بطريق
حرام: ليس سبيلاً شرعياً للخلاص من إئم الطريق الحرام في اكتسابها،
فالمال لا ذنبَ له، وإتلافُه إهدارٌ لنعمة اللّه، وهو عملٌ أخرق.
ولم يبقَ أمامنا إ لا الحل الرابع بأنْ تصرفَ للفقراء.
ولم يترك الشيخ الجواب هكذا، بل أورد كل ما يمكن أنه يرد على
الفتوى، فذكر اعتراضاً مفاده "كيف تسوّغ إطعام الفقراء مالاً حراماً؟
وأجاب: بأنّ تبدّل سبب الملك كتبدّل الذات "، فالمال الحرام يقع في
يدهم حلالاً، والفقراء هم المصرف الطبيعي لكلِّ كسب يكسبه الإنسان
بطريق أو سبب خبيث، فمن وجد مالاً أو جمع ثروة من طريق الحرام
(ربا، سرقة، رشوة) ئم تاب، ولم يستطع معرفة اصحاب الأموال التي
أخذها منهم ظلمأ وعدواناً، فهذا لا سبيلَ له إلا أن يوزعها على الفقراء،
كما هو مبين في باب الفُقَطَة.
190

الصفحة 190