كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

الثاني: طبيعة العبادة، والتي جعلها الإسلام عملاً عقليأ وفكرياً
دون ان تُبنى على المراسم الشكلية والائغام الموسيقية.
وقد انتشرت قبلَ الإسلام وبعدَه إلى اليوم طرائقُ التعئد بالموسيقا،
فاختلطت الأحاسيسُ والمشاعرُ الفنية الجميلة، وما ينشأ عنها من نشوة
وطرب، وامتزجت بالعبادة ومناجاة اللّه، ومعلوم أنّ الأحاسيس الفنية
والعبادة أمران متباينان، فإذا أصبحت العبادةُ موسيقا وأنغاما"ا) حق
للفاسق في الملاهي ان يعدَّ نفسَه متعبداً بالنشوة.
ومن المَلاحظ التي يستدلُّ بها على انّ العباداتِ في الإسلام تشتمل
على عنصري التفكير والعزيمة الإنشائية:
ا - أنَّ العبادات أعمالٌ إراديةٌ، تنعقد انعقاداً كالعقود، وتُشترَط لها
شرائطُ، وتخضع للصحة والبطلان، كالعقود.
2 - انَّ العباداتِ تُشتَرط لها النيةُ، والنيةُ عملٌ عقلي باطنيٌّ، وعزيمةٌ
فكريةٌ.
3 - أنّ هذه النيةَ هي التي تميّز بين العبادة والعادة، وتقلب الأفعال
المباحة إلى عبادة، كالمأكل، والمشرب، والزواج.
والخلاصة: إن الموسيقا التي تتجلّى في ترتيل الفرآن، إنما هي
حُسن القراءة، وجودةُ النطقِ الصحيج، والأداءُ المحكمُ، وكلُّ كلا9
حسنِ الأداء، توجد فيه موسيقا طبيعية.
ولهذا كلِّه لا يجوز ولا يُقبلُ في قواعد الإسلام أن تصاغَ سورٌ من
القران قطعاً موسيقية، كما لا يُقبل أن تصحبَ العبادةَ موسيقا.
(1)
كما هو حال حلقات الذكر عند بعض الصوفية، التي تسمَّى (الحضرة)، وانظر:
(الرهص والوقص لمستحل الرقص)، للشيخ إبراهيم الحلبي الحنفي. (س).
192

الصفحة 192