كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

"لقد وَقع في يدي كتاب (المدخل الفقهي العام (فوجدتُ شيئاً جديدأ،
وعملاً جليلاً، أما انَّه شيءٌ جديد فإن الفقه الإسلامي لم يَجْرِ رجالُه على
هذه الطريقة الحديثة، التي جرى عليها المؤِلف، ولم يأخذوا بذلك
التقسيم العصْري الذي أخذ به، حيث تُؤصَّل المسائل، وتُعرض
الكليّات، وتُبسط النظريات، وتُشرح المصطلحات، ثم تُستخرج الفروع
من اصولها، او ترد الجزئيات إلى كلياتها، أو تُطبق النظريات على
موضوعاتها، فيخرجُ الدارس من دراسته، وقد أَلمَّ بالكليات والنطريات،
وتماسكت في ذهنه المسائل، وارتبطتْ الفروع بالاصول، واستفاد
القدرة على حلّ المشاكل، والتمييز بين المتشابه.
واما أنَّه عملٌ جليل، فلأنَّه عمل غير مسبوق، ولأنه يقتضي من
صاحبه فهماً وعقلاً، وجهداً وصبراً، حتى يصل إلى ما وصل إله المؤلّف
من مستوى رفيع، لا يصلُ إليه عادةً إلا النابهون، بَعْدَ أن تُمهَّد لهم
الطرق، ويسبقهم الروّاد، فإذا ما وصل المؤلّف إلى ما وصل إليه بعد أ ن
شقَّ طريفه في الصّخر، وكان الرائد لنفسه ولغيره؟ فتلك هي العبقرية
الفذّة، أو هُو فضل اللّه يؤتيه من يشاء، وقد ساعَد المؤلف على الوصول
إلى ما وصل إليه انَّه رجل ذو هدف في الحياة، وانَّه من اصحاب المُثُل
العليا، الذين يعملون ويقولون لوجه الله، فأمدَّه اللّه جلَّ شأنه بعونه،
ورزقَه الفهم لدينه وشريعته.
ويلوح لي أنَّ المؤلف قد عانى من مرارة الاطّلاع على كُتب الفقه ما
عانى، فأخذ على نفسه ان يُوطِّى الفقه لطلاّبه، ثم راى الفقهَ الإسلاميَّ في
ترتيبه وتبويبه وربْط فروعه بأصوله متأخراً قروناً عن الفقه الحديث، فأخذ
على نفسه ان ينفل الفقه الإسلامي عبر هذه القرون الطويلة نقلةً واحدة،
ليُلحقه بالفقه الحديث، فوفَّفه الله إلى ما اراد، فوطَّأ الفقه الإسلامي لكلّ
طالب، ونقله بخطوة واحدة جبّارة من العصر العباسي إلى عصرنا
20

الصفحة 20