كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

دقيق للأحكام، وتعليلى وافٍ للفتوى، مما كانَ موضع التقدير، ولم تكن
جائزة الملك فيصل رحمه اللّه إلا مكافأةً صادقةً لجهد طيّب نفعه اللّه بثمرته
في الحياة، وما عنده من ئواب ا لآخرة اوفى وأجزل.
وإذا كان الزرقا قد بدأ في مؤلَّفاته الأكاديمية دقيقاً كلَّ الدقة، فإنَّ
هذه الدقة لم تفارقه في مقالاته الصحفية التي ينشرُها في المجلات
الإسلامية، فصان بذلك كرامة البحث العلمي دون أن يهبط به إلى مستوى
الوعظ الشارد، والحق أنّ المجلاّت الدينية في كثير من بحوثها لا تكاد
تأتي بجديد إلاّ إذا قامَ بتحريرها علماءُ أصلاء يعرفون تَبِعَةَ القلم فيما
ينشرون، فما أكئر ما تقرأ صحيفة قامت الدولة بنشرها، وتَيْسيرِ سُبل
إذاعتها، ومكافأة كتّابها مكافأةً مجزية، ثم لا تجد كثيراً مما يرضيك،
فهذا يشرحُ ايةً بالمعنى المتعارف، وهذا يشرح حديثاَّ دَون إضافة، وهذا
يكتب فصلاً من السيرة أو تاريخ الصحابة مردّدا ما قيل، وكلّه لهوٌ وعبث،
لأنَّ رسالة الإسلام أسمى من أن تُبتذل بتكرار المُعاد، وترداد المألوف،
لذلك لاحظتُ أنَّ الأستاذ الزرقا فيما ينشرُه من بحوث في المجلات
الإسلامية لا يخالف طريقه في الإفادة النافعة، والتيْسير المذلّل لما لم
يُعهَد من القول، وقد يكْتب في صميم علم الأصول أو في معضلة من
معضلات علم الفقه، ولكنّه يسلك السبيل المُيَسِّرِ المستوعِب، والتيسير
لا ينافي الاستيعاب، إذا كان المراد منه الإحاطة بالجمهور العام
للموضوع، وأضرب الأمثلة لذلك ببعض ما كتب:
نشر الأستاذ بمجلة (المسلمون) (1) بحئاً تحت عنوان (ثروة الإسلام
الفقهية، هل ينقص من قدرها اختلاف المجتهدين فيها)، وقد اوحى به
فيما أعتقد ما انتشرَ من اللغو على ألسنة قوم يحسبون أنفسهم من
(1) مجلة المسلمون، السنة الثانية، العدد الثالث، ص 9 2 وما بعدها.
23

الصفحة 23