كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

بغيره، وسريان إقراره على نفسه دون غيره، وسدّ الذرائع الداعية للفساد
ومسؤولية كل مكلَّف عن تقصيره.
أما الأحكام الاجتهادية من قياسيّة ومصلحية فهي التي تتغيّر
باختلاف الأحوال، وقد ضرب الباحث أمثلة كثيرةً لهذا التغيّر، منها ما
تغيَّر في عهد أئمة المذاهب، ومنها ما وقع في العصر الأخير.
وقد شاعَ عند بعض الكاتبين أنّ هذا التغيّر في الحكم الشرعي إنما
جاءَ مما يُعتبَر مراعاةً للعرف، ولكن الباحث لم يرَ ذلك، بل راه من قبيل
نظرية المصالج المرسلة، لأنَّ قعودَ الهمم، وفساد الذمم، وقلّة الورع،
وكثرة الطمع ليست أعرافاً يتعارف الناس عليها، ويبنون أعمالهم بها،
إنّما هي انحلا 4 في الأخلاق يُضعِف الثقة ويُفسدُ الأمور، ونميلُ إلى أنَّ
القائلين بأنّ تغيير الأحكام قد تفرَّر بناءً على مراعاة العرف لا يقصدون
العرف العاميّ السوقي الذي يجري عليه ذوو الشبهات، إنما يقصدون
العُرف الذي يصطلج الفقهاء على صحته وصدق مرماه، ونجاح قصده،
وإذنْ فالخلافُ ضَيِّقٌ بهذا ا لاعتبار أو لا خلاف.
لقد ادَّى الأستاذ الزرقا رسالةً قويةً مثمرةً في حقل الفقه الإسلامي،
فارتفع به إلى مستوى فكريّ رائع، كما سهَّل طرق تناوله بما كَتب من
قواعد، وأصَّل من نظريات، وإذا كانت الكتب الصفراء آفةَ بعض
القارئين، وتَعِلَّة كثيبر من المنصرفين، فمانَّ لُباب هذه الكتب قد انتقل إلى
الورق الأبيض في نهج منطقي، واطِّرادٍ فكريّ، ونسق بياني لا يُعذَر معه
مقصِّر إن تساءل عن كتب الفقه أين هي؟ وكيف تُفرأ دون إملال! (1).
ك!
(1)
د. محمد رجب البيومي، النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين،
(5/ 376 - 364)
27

الصفحة 27