كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

تخصّصاته، بما أوتيه من مَلَكة فقهية، وعقلية علمية، يندر ان توجَد
مجموعةً في غيره من الاشاتذة.
وقد يسَّرَ اللّهُ تعالى لي أن دَرَلسْت عليه في كلية الشريعة بجامعة
دمشق بين عامي (1959 - 963 ام (، بعضَ كتبه منها: (المدخل
الفقهي (، بالإضافة إلى كتابه (نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي)، وقد
أدركتُ من خلال دراستي عليه أنَّه استاذ مميَّز في قدرته على فهم الفقه
فهماً تحليلياً لم يسبق أن عرفتُه في غيره من أساتذتي الذين درستُ عليهم
الفقهَ قبلَه ولا بعدَ 5، وقد سمعتُ منه مرات يقول: "إنَّ الففه تحليل
وتركيحب، وليس حفظاً وفهماً عامّاً".
وقد كان رحمه اللّه تعالى في دروسه يحلّل ويفكّك كلّ مسألةٍ
يتعرَّض لها، حتى تصبج كالعجينة بين يديه، يكيّفها كيف يشاء، ثم يعيد
تركيبها كما كانت، بأسلوبٍ عربي محكَم، تكون فيه الألفاظ على قدر
المعاني، دون زيادة مملّة، أو نقص مخلّ، وذلك بعد أن يكون قد أطلع
الطلاب على جزئياتها وتفاصيلها، مما يسهل عليهم فهم كنهها وحقيفتها.
وقد كانَ يغلبُ عليه في دراساته وكتبه وتدريسه التزام قواعد
المذهب الحنفي، إلاّ انه في الوقتِ نفسِه ما كان يغمط المذاهب الفقهية
الأربعة الأخرى، بله المذاهب الفقهية الثمانية الأخرى، حقّها في الدراسة
والتمحيص، وربما رجّج بعضاً منها على غيرها في بعض الأحيان إذا بدا
له قوة دليلها، مما يدلّ على تفتج ذهنه، وموضوعيته، وعدم تعضبه إلاّ
لما رججَ عنده من الأدلّة الشرعية.
وقد يشَر اللّه تعالى لي بعد تخرُّجي من كلية الشريعة في عام
(963 ام) أن أشارك في مسابفة لاختيار معيد في الكلية من الخرِّيجين
المتفدَمين، وكان الاشتاذ الكبير مصطفى الزرقا احد أعضاء اللجنة
39

الصفحة 39