وفْق أمته، وما تقتضيه حاجتُها، ولزمن او عصر محدود، فكان الفارقُ
الهائلُ بين الشريعة الإسلامية الغرَّاء، والقوانين الوضعية، شاسعاً جداً، لا
يدرك له مدى، حتى قيام الساعة، وهذا سز مضمون قائم أبدَ الدهر، لأنَّ
منشأه بيّن، وأنّه منزَّل من عند اللّه تعالى للعالمين. وعلى خلاف ذلك،
القوانين الوضعية التي هي من صنع الناس، وعلى حسب ما يتبع كل قطر
من الا! طار، من القوانين التي تدبّر أمره، في أمدٍ محدود!!.
ما كان الشيخ الجليل والعالم الواسع الأفق ليُعْنى بالقوانين مطلقاً
في سائر مؤلَّفاته العلمية القيّمه، الا عند الحاجة للتدريس في كليتي
الشريعة والحقوق في جامعة دمشق؟ إذ كان يعقد مقارنةً بين الشريعة
الإسلامية والقانون، والشأو بينهما بعيد، وكان يشير إلى الاسباب التي
دعت إلى ذلك التفاوت بينهما، فالمقارنة كانت واسعة المدى، فكان
البَوْنُ بينهما لا يمكن أن يُدرَك له شأو أو ماَل!.
على أن الشيخَ الجليلَ - رحمه اللّه تعالى - كان مغرَماً جداً بالتعليل،
ليدركَ المقاصد من التشريع في تفصيلاته.
فمقاصد الشريعة اعتنى علماء الاصول بنوعيها المقاصد الكلية
والفرعية، وهي الغاية القصوى التي تتحقق بها المصالح العامة والخاصة
على السواء.
وأفرد لهذا العلم العظيم الأصوليُّ الفذّ (الإمام الشاطبي) في كتابه
القيّم: (الموافقات) في أجزائه الأربعة مكاناً واسعاً من كتاب
(الموافقات) الذي غدا مرجعاً بارزاً ذا شأنٍ كبير عند علماء الأصول، ومن
هؤلاء الشيخ الجليل مصطفى الزرقا رحمه اللّه تعالى، وأصبج كتاب
(الموافقات) للشاطبي، المرجعَ الأول في أصول الفقه للعلماء
والدارسين.
43