كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

مرت سنون، ثم قُدّرَ أن نذهبَ للدراسة في أمريكة، فإذا بالقوم
هناك يتفاخرون بما يقومون به منزلياً من إصلاحات وأعمال، منها
الحلاقةً لأفراد العائلة، يبيعون لها أدوات كهربائية خاصَّة بالمبتدئين
مع صور إرشادية! فاشتريناها وكتبنا للوالد مبشرين بأننا دخلنا
الفنَّ، ويحلِقُ أحدُنا شعرَ الاخر دون مضض!
وماكان الوالد يسافِرُ قط إلا مصطحباً عِدّةَ الحلاقة كاملةً في
علبة خاصَّة. وسافر مرة إلى مؤتمر مع الشيخ إبراهيم الفطان - قاضي
قضاة الأردن سابقاً- الذي اغتمَّ أن لم يطفْر بحلاقٍ قبل افتتاح
المؤتمر. تصور دهشته وسروره إذ أتحفه الوالدُ بحلاقةٍ راقيةِ 0 وقد
وقع مثل ذلك من الوالد مع أصدقاء اخرين في أسفارٍ أخرى.
كيم الصحة: كان عنايةُ الوالد وفقهه في امور الصحة، وقايةً
وعلاجاً يتعلّمه من الأطباء والقراءة، تفوقُ عنايته بأيِّ علمٍ اخرَ
خارجَ الفقه واللغة.
لابدَّ أن يفهم عن الطبيبِ مفعول كل دواءً يصفه، ولابدّ أ ن
يدوِّن على علبةِ الدواءِ لايِّ حالةٍ يصلُحُ، وفترات تناوله. 0. إلخ.
2 - الأستاذية والتفقيه في المعيشة:
كان الوالد -رحمه اللّه تعالى - مولعأ بتعليمِ وإيضاحِ ايِّ شيءً
يعرفه لمن يريدُ أن يتعلَّمَ. وله على ذلك معين من الصبرِ وسَعةُ
الصدرِ والأناةِ مع الجاهلِ، مع تدرج من البسيط إلى المركّب.
وكانت خالتي (زوجته بعد وفاة أمي) لاً تناديه ولا تتحدّث عنه للغير
إلا بالأستاذ: يقول لكم الاشتاذ كذا، وجاء الأستاذ، وذهب
الأستاذ. . .
كما كان الوالدُ تلميذأ جاداً إذا أراد التعلُّم:
49

الصفحة 49