والأمور العصرية الأخرى، درإذا حضر احد العلماء الاَخرين، تزداد
الحلقة اتساعاً وثراءً فقهيأ، وجدلاً علمياً مفيداً، والشيخ مصطفى يستمع
إلى كل ذلك ويؤئّر فيه، بل يُطلَب منه - من خلال المناقشات - أن يُحضِرَ
ذلك الكتاب، وهذا الجزء، وهذه الكراسة، وغير ذلك مما يجعله جزءأ
من أجزاء هذه الندوة العلمية إذا صجَّ التعبير.
ومن خلال هذا كله لمح الجد في حفيدِه مصطفى نبوغأ واستعداداً
فطرياً يجعله مؤفَلاً لسلوك طريق العلم، ومن هنا وقع اختياره عليه
لدخول المدرسة الخسروية ودراسة الفقه.
وقد كان الشيخ أحمد ابتداءً يخبر ولده مصطفى برغبة جده، ولكنه-
أي الشيخ مصطفى - لم يكن يستجيب له، ولم يسارع لتنفيذ هذه الرغبة،
بل كان يعارضها ويرفضها، وذلك لأمرين:
أوَّلهما: أن أحوال المشايخ وطلبة العلم لم تكن تُعجبه.
وثانيهما: رغبته في العمل التجاري مع أخيه.
ثم ازداد إلحاح الجد بطلب مصطفى للدراسة، وقرب موعد بداية
التدريس في المدرسة، ولكن دون جدوى، فالشيخ مصطفى مُصِرّ على
عدم الالتحاق، وعلى رفض هذه الفكرة، ولهذا السبب قرَّرَ الجد حرمان
حفيده مصطفى من الحضور مع والده اللقاء اليومي بعد المغرب، فلم
يتاثَّر الشيخ مصطفى لأول وهلة، ومضت بضعة أيام، وأخرى، حتى بدأ
الشيخ مصطفى يشعر بالضيق، ويشعر بألم العقوبة (الحرمان) جراء منعه
من زيارة جده، خاصة إذا علمنا أنه كان يحب جدَّه محبة عظيمة، وكان
تعلّقه به تعلّقأ يهون في مقابله كل شيء، ومضت أيام أخرى جعلت الشيخ
مصطفى يستسلم، ويلفي عصا الطاعة، ويدخل المدرسة الخسروية،
ويتفوَّق على أقرانه، ويظهر نباهة ونبوغاً عزَّ نظيره، يدلُّ على أنَّ اختيارَ
72