قال لي في يوم من الأيام، وكان عائداً من سفر: يا ولدي خذ واقرا
هذه القصيدة لشاعر شاب سيكون له شأنٌ عظيم في الشعر يوماً ما، وإذا
بالقصيدة للدكتور عبد الرحمن العشماوي، وهو كذلك، فهو شاعر
معروف، واصبح له شأن كما تفرَّس الشيخ رحمه اللّه.
كما كان يشارك الناس أفراحَهم وأتراحَهم، ويواسيهم ويعزّيهم،
عرفهم أو لم يعرفهم.
أما صبره: فقد كان رحمه اللّه من الصابرين، جزا 5 اللّه خيرا، ولولا
تمثّل صفة الصبر فيه لما وصل إلى ما وصل إليه.
فالصبر على طلب العلم طوال هذه السنين (مع صعوبة الأحوال
التي عاشها جيل تلك المدّة) مَكَّنه من تحصيل ما لم يحصل غيره، من
تنوّع في الثقافة والتخصّصات، وعُمْتي في التحصيل، وقد كان رحمه اللّه
يحدّثنا عن طلب العلم على طريقة المشايخ، وما تحتاجه من صبر وجَلَد،
قَبْل الدرس، وخلاله، وبعدَه، بما لا يمكنُ لطلبة الجامعات اليوم
تحمّله، وكان يذكرُ لنا مع ذلك قولة الإمام ابن نجيم - رحمه اللّه-
المشهورة حينما سُئِلَ عن "صعوبة العبارة، وطول الوقت الذي تستغرقه
الدروس وهم على الأرض حول الشيخ " قال: "حتى لا يدَّعي علمَنا إلاّ
مَنْ يزاحمنا عليه بالرّكب". وهذه الطريقة معهودة عند العلماء، يبدأ
الدرس بمئات التلاميذ، ثم ينتهي بعدد قليل، ممن يثبت ويصبر على
طلب العلم، والشيخ رحمه اللّه كان يجمع بين أكثر من نوع من أنواع
التعليم في وقتٍ واحد كما هو معلوم.
وصبر كذلك على فَقْدِ من يُحبُّ بدءأ بجدِّه، وأبيه، وأهل بيته،
زوجه وولديه، واصدقائه وأساتذته، وإن كانوا يتفاوتون في المنزلة إلاّ ا ن
لكل واحد منهم جانباً في القلب، يألم لألمهم، ويحزن لفقدهم، ومن قرأ
88