كتاب مصطفى أحمد الزرقا فقيه العصر وشيخ الحقوقيين

ديوانه عرف مشاعر الشيخ التي كانت تفيض حزناً عليهم، حتى إنّ كثيراً
من الناس، ومن طلبة العلم، كانوا لا يرَوْنَ شعر الشيخ إ لا في المراثي.
ومن ذلك ايضاً: صبره على الطلبة ومشكلاتهم، وصبره على كثرة
الاتصالات، والفتاوى التي يُطلَب منه إبداء الرأي الشرعي فيها، مع
ملاحظة أن بعض أصحاب الحاجات - إن لم نقل كلهم - لا يعرفون وقتاً
لراحة أو نوم أو عمل اَخر، فتراهم يطرقون الباب ليلاً ونهارأ، ويتصلون
صباحاً وظهراً ومساءً، وذات مرة مكث جرس الهاتف يطرق ويطرق، ولم
يتوقف عن الطرق، ثم أعاد الكرة، فظنَّ أنَّ هناك أمراً مهماً من أحد أبنائه
أو اقاربه، فأسرع قليلاً، واصطدم بمنضدة في طريقه، فوقع على الأرض
وتأذّى كثيراً رحمه اللّه.
ومن الصفات التي عُرِفَت عن الشيخ: الدقة والنظام، وقد كان في
نظرنا مثالاً للنظام، وقد لاحظتُ كما يلاحظ كلّ مَن عرفه أنه منظَم،
ويعلِّم النظام، من خلال تدريسه لنا وزيارتنا له المتكرّرة في بيته في
عمّان، وكان إذا عمل، أو أراد أمراً، وجَّهَنا إلى أصول نظام العمل، حتى
في مسائل الطعام والشراب والنوم (1)، وسائر الأعمال، وقد سمعتُ
الناس يذكرون نظامه كثيراً.
قال لي سماحة أستاذنا إبراهيم زيد الكيلاني ذات مرة: "لقد كان
(1)
كانت له عادات صحيّة في الطعام والشرإب، وكان لا يكثر من شيء منها، فله من
الشاي الأحمر كأسأ صباحاً وآخر من الشاي الأخضر مساءً، يصنعه بنفسه أمامنا،
ويعلمنا كيف يُعمل، ولا يكثر من السكريات، غير أنّ ولده أنسأ حفظه اللّه كان
يقول عن أبيه: لم يكن أبي يغالي في شيء إ لا في شرب الماء الشديد البرودة.
يقول محمود عبيدات: كان الشيخ رحمه اللّه يهتم بالقيلولة، ويحرص على
النوم في أثنائها ويقول في ذلك: "اعطني ساعة نوم بعد الظهر، وخذ مني سهر
الليل بطوله " مشيرأ إلى ما تتركه تلك الساعة من نشاط عنده.
89

الصفحة 89