الدراسات القانونية المعاصرة، ولا ريب ان نظام الدراسة في ذلك
العصر، يختلف كثيراً عن نظام الدراسة في ايامنا، من حيث الأساتذة،
وكذلك الطلبة، ومن حيث المواد الدينية.
لقد درَّس الشيخ القانون المدني، وبعض فروع القانون الاخرى،
كما درَّس لطلبة الدراسات العليا في الحقوق مادة متخصّصة في فنّ صياغة
التشريع، ولا أظن أنَّ فنَّ الصياغة هذا يتقنه إلا من تضلَّع من علوم اللغة،
والففه، والقانون، وعلم القواعد، والمفاصد، وهذه كلها اجتمعت في
الشيخ مصطفى رحمه اللّه.
2 1 - اَراء الشيخ وفتاواه:
كثيرون هم الذين درسوا الفقه، وعُرفوا ووُصفوا بأنهم فقهاء، ا و
مفتون، او علماء، ولكن قلة قليلة من هؤلاء العلماء ممن عرف عنهم
التجديد، وحرية الفكر والاجتهاد، فكتب التراجم تزخر بتعداد العلماء
الذين أَبْلَوْا بلاءً حسناً، لكنها تُسجِّل بفخر واعتزاز آراء العلماء المجددين
واجتهاداتهم، الذين أثْرَوا الفقه أو العلم الذي برعوا فيه.
وشيخنا الزرقا من هذا الصنف، الذي ترك بصماته على صفحات
التاريخ الفقهي والاجتهاد المعاصر، وممن يعدون بألف رجل، حيث
عُرف الشيخ بفتاويه، وعرفت واشتهرت عنه اراؤه، واجتهاداته، التي
توصل إليها بعد البحث والتنقيب وبذل الجهد، فأعلن عنها دون خوف أ و
وَجَل، ودون مجاراة أو تأثر بمؤثّر، لا يبالي بمن وافقه أو خالفه، فكثيراً
ما تجد عالماً من العلماء إذا سألته عن رأيه في مسألة ما يقول لك:
"اعتقادي وقلبي يفوٍ ل بأنّ الحكم كذا، ولكني لا أستطيع إعلانه؟ لا! هذا
الرأي يجدُ معارضة شديدةً، وانا لا أحتمل مخالفةَ الكبار من العلماء
وغيرهم. ولا يعني هذا أن نجعل طلبة العلم يجترئون على الفتوى والقول
94