كتاب محمد بخيت المطيعي شيخ الإسلام والمفتي العالمي

والهمزةُ -أي: في (اسرى) - للتعدية، والمفعولُ محذوفٌ على معنى
اسرى ملائكتَه بعبدِه، وإنّما احتيجَ إلى هذا؟ لأنّه إذا كان اسرى بمعنى
سرى لزم مِنْ كون الباء للتعديةِ مشاركةُ الفاعل للمفعولِ، وهذا شي! ذهب
إليه المبرِّدُ.
فإذا قلتَ: قمتُ بزيدٍ، يلزمُ منه قيامُك وقيامُ زيدٍ عند 5، وإنْ جعلتَ
الباءَ كالهمزةِ لا يلزمُ ذلك، كما لا يخفى، كذا في " البحر" (1).
ولا يخفى أنّه لا مانع مِنْ جعله بمعنى سرى، والباء للتعدية،
وحديثُ مشاركة الفاعل للمفعول هنا لا يضرُّ، لأنَّ المشاركة معنوية،
بمعنى المصاحبة المعنوية، أي: إنّه تعالى صاحبه معه في الإسراء: " وَهُوَ
مَعَكُؤ أَيْنَ مَا بهمُتُئمْ " أ الحديد: 4، غايةُ الأمر أنَّ المشاركةَ هنا بمعنى يليقُ به
تعالى.
ومصاحبةُ اللّه تعالى إمّا ب! عانته بدون واسطةٍ، او بواسطةِ ملائكته،
فالمعنيان متّحدان، سواءٌ جعلنا الباءَ للتعدية وأسرى بمعنى سرى، أ و
جعلنا الهمزة للتعدية والمفعول محذوفٌ ".
وأما المقام الثاني: فقد أورد الشيخُ الرواياتِ كما جاءت في الصّحاح
من كتب السنة، مبيّنأ ما بين هذه الرواياتِ من الاختلافات اللفظية، وكان
-وهو يقارِنُ ويشرحُ - يثيرُ بعض الأسئلة، ويجيبُ عنها.
ومن ذلك سؤالٌ عن الحكمة في الإسراء والمعراج.
وكان الجواب إنّما كان للمناجاةِ، ولهذا كان من غير مواعدة، وهذا
اوقعُ وأعظمُ، وكان التكليمُ مع موسى عن مواعدةٍ وموافاةٍ، فأين ذاك
مِنْ هذا؟! وشتّان ما بين المقامين، وبين من دُعي إلى أعلى البيت
(1)
البحر المحيط في التفسير، لأبي حيان الأندلسي (ن).
142

الصفحة 142