كتاب محمد بخيت المطيعي شيخ الإسلام والمفتي العالمي
وهل إذا كانت قرانأ يجوزُ استعمال الصندوق لقراءتها، ويجوزُ
سماعها منه، مع أنَّ ذلك الصندوق كما يسمع منه ما ذكر يسمع منه غيرُه
مما يقبجُ سماعُه كالمغاني وغيرها؟.
وهل يجبُ أو يسنّ سجودُ التلاوةِ إذا سمعتْ آيةُ السجدة منه؟.
فأجبتُ - وباللّه التوفيق والهداية لأقوم طريق - وقلتُ:
اعلم أنَّ معرفة الحكم فيما ذُكِرَ تتوقف على أمورٍ، وهذه الأمورُ
سبعة، تتعلّق بالملكة الراسخة في النفس، والتي تتمكن من ترتيب الكلام
وتأليفه، وانَّ الكلام يطلَقُ على الملكةِ التي بها التمكُّنُ من ترتيب
الكلام، ويطلق على الكلماتِ النفسيةِ، وعلى الكلمات اللفظية،
وإطلاقُهُ على ما ذكر بالاشتراك او بالحقيقة في واحد والمجاز في الباقي. .
وانَّ الملكة المذكورة تغايِرُ بالحقيقة الكلمات النفسية واللفظية.
وأما الكلمات النفسية واللفظية فيتحدان بالحقيقة والطبيعة والماهية،
ويختلفان بالوجود، فالنفسية وجودُها نفسي وعلمي، واللفظية وجودُها
لفظي وخارجي، فالذات واحدةٌ والوجود متعدِّد)).
وعرض بعد هذا الكلام اللفظي الذي رتَّبه المتكلِّم على وفق ما رتبه في
نفسه بملكته الخاصة به، وبيّن أنّه ينسب لذلك المتكلم، باعتبار ترتيبه
في نفسه، لأنّه الخاصّ به، لا باعتبار التلفظ به؟ لأنه قد يشاركه فيه غيره.
وانتقل من هذا إلى بيان انَّ للحق جل شأنه صفةً أزليةً تسمّى صفة
الكلام، وهي صفة يقال فيها ما قيل في غيرها من صفات المعاني؟
كالقدرة، والعلم، والإرادة، من الزيادة عن الذات، وعدم الزيادة، وإن
كان الحقُّ الذي نعثقده عدم الخوض في ذلك، لأن كنه الصفات ككنه
الذات لا ثحي! به العقول، ولا ينبغي أن يبحث عنه، ولا يفكر فيه، بل
إنّما يبحث في الاَثار.
151