كتاب محمد بخيت المطيعي شيخ الإسلام والمفتي العالمي

ويلاحظُ أنَّ الشيخ في كلِّ المناصب القضائية التي تقلّب فيها كان عارفأ
بقيمة نفسه، عزوفأ عن قبول ما هو اقلّ من قدره، لا يقبل أن يولى قاضي
محكمة مركزية، أو عضواً في أية محكمة شرعية كلية، وكان هذا التنقل
في العديد من المديريات والمحافظات شهادةَ تقديرٍ لكفاءته ونزاهته
وتحرّيه الحق والعدل، دون اعتبار لشفاعة مسؤول مهما تكن منزلته،
ومن ذلك أنّه كانت أمامه بالمحكمة مسألةٌ تخصُّ الأمير حسين كامل،
(السلطان حسين فيما بعد) وقد كلَّم سموّ الخديوي عباس حلمي الشيخ
ليحكم في مصلحة عمه، فلمّا قدّمت القضيةُ حكم فيها بما راَ 5 مُوَافقأ
للمنهج الشرعي.
فلمّا تولى السلطان حسين كامل سلطنة مصر كان أوَّل عمل عمله ا ن
سأل عن الشيخ، فلمّا بلغه طلبُ السلطان إيّاه ظنَّ أئه سيعزله من
الخدمة، ولكن ما اشدَّ دهشته حين علمَ منه أئه إئما طلبه ليوليه إفتاءَ الديار
المصرية قائلاً:
" إنَّ رجلاً لا يبالي برجاء عبّاس حلمي باشا خديوي مصر، ولا بالأمير
حسين كامل عم الخديوي، ولا يحكم إلا بما يَرَى؟ جديز بأن يتبوأ أعظم
كرسي علمي في مصر" (1).
ولم يكتفِ السلطان حسين بما قاله تقديراً واحترامأ للشيخ محمد
بخيت، فقد قال له عقب تعيينه مفتيأ: "اعلموا أنّكم تخاطبون بفتاواكم
العامةَ، فالتزموا فيها الصراحة، حتى لا تكونَ محتملةً للتأويل، ولتكن
لكم أسو؟ حسنة في المرحوم الشيخ المهدي الذي لبث يخدمُ دينه أربعين
عاماً، يفتي الناس في أمور دينهم، وقد ترك أثراً صالحاً، ومثالاً جليلاً من
(1)
انظر كلمة الشيخ عبد الوهاب النجار في تأبين الشيخ المطيعي في: مجلة
الشبان المسلمين، عدد صفر، سنة 355 اهـ، ص 374.
26

الصفحة 26