كتاب محمد بخيت المطيعي شيخ الإسلام والمفتي العالمي
وتجلّى ذلك في مؤلفاته وفتاويه في تلك المرحلة من حياته.
ثم اخذ بعد ذلك بنصيبٍ وافر من علوم الأدب والثقافة العامة، فعرفت
كتاباته الأسلوب الأدبي، وتجاوزت ثقافتُه نطاق التخصص العلمي الدقيق
إلى مجالات الدراسات الفكرية والاجتماعية والسياسية والتاريخية
والأدبية، ومردُّ ذلك إلى أنَّ الشيخ كان في كلِّ أطوار حياته لا يملُّ
الاشتغال بالقراءة، ومدارسة العلم، ومواصلة البحث، ومن ثَمَّ كان
المثلَ الأعلى للاطلاع الواسع، والعزيمة الماضية، والهمة العالية.
يقول عنه احد تلاميذ 5: "ومن عجيب صبر 5، وقوة جلده، انّه كان
يمكثُ أمامي على مكتبه يطالِعُ في كتابِ التفسير للَالوسي ستَّ ساعاتٍ
متوالياتٍ دون مللى او سمامةٍ، وكثيراً ما كان ينسى ميعادَ الغداء، ولولا اني
انبِّهُ فضيلته إلى أنَّ وقت الظهر كاد يخرج ما كان يفارِقُ الكتاب الذي بيد5
يطالعُ ويدوِّن على هامش اي كتابٍ ما يعنّ له من آراء وملاحظات تعرِفُ
منها لو قُدّرَ لك الاطلاعُ عليها أنّه نابغةٌ مُحقق، ذو ثقافة كاملة، وتكوين
تام، مع اعتدال وشجاعة نادرتين " (1).
ويقول تلميذ آخر: " وكان لا يملُّ الاشتغال بالعلم على كبر سنه، تلك
الظاهرةُ العجيبةُ التي كانت تدهشني حينما احسُّ بالتعب يصرعني، وانا
اقرا له المصادر، وأرتبها، وألخصها، وهو صامدٌ كأنه في روضة من
رياض الجنة، حتى إذا ما الحَّ عليَّ التعبُ قلت له: حسبنا مصادر، ألم
يكفك عشرة كتب في الاطلاع على موضوع واحدٍ؟ فيتأوّ 5 ويقول: "لقد
علمتني الكسل، فقد كنتُ قبلاً أراجِعُ في الفتوى الواحدة عشرين كتاباً
على الأقل ". . ثم يقول: "يا ويح الشباب في هذا الزمن " فإذا قمنا إلى
الصلاةِ كان اسرعنا إلى أدائها، حتى إذا انتهينا منها كان أسبقَنا إلى المكتبة
(1) مجلة الإسلام، عدد (5 شعبان سنة 354 اهـ).
74