كتاب محمد بخيت المطيعي شيخ الإسلام والمفتي العالمي
بإمضاء (محمد بخيت المطيعي الحنفي) فإنّه كان يتّسع في الفتوى فيلمُّ
بماراء المذاهب المختلفة، ويختارُ ما يرتاح إليه، غير مفرّقٍ بين مذهب
ومذهب؟ لأنّه يعرفُ انَّ الحق رائدُ الجميع (1).
وهذا الاختيارُ ينسحِبُ عليه مفهومُ الاجتهاد الانتقائي، وهذا الاجتهادُ
يقتضي الانفتاح على كلِّ المذاهب المعتبرة، دون تعصب لرأي مذهبي
خاص، فالاجتهادُ الإنشائي فريضةٌ شرعيةٌ لمن توافرت فيه شروط
الاجتهاد المطلق، ولكنّ هذا الاجتهاد في العصر الحاضر لا سبيلَ إليه إلا
بالاجتهاد الجماعي، بيد انّ الاجتهاد الانتقائي قد يتحقّقُ من فردٍ يستطيعُ
ان يرجِّحَ بين الاَراء، ويختارَ منها ما يكونُ أكثرَ ملاءمةً للواقع المعاصر،
من حيث معالجة المشكلات، ووضع الحلول العلمية لها.
وهكذا كان الشيخ المطيعي يرى انَّ التراث الفقهي بكلِّ مذاهبه مِلْأ
للأمة، وعلى علمائها أن ينتفعوا بهذا التراث دون تعصب، فالتعصب آيةٌ
على الانغلاق الفكري والجمود المذهبي، وقد برى منه ائمةُ المذاهب،
وما زعموا انَّ اَراءهم لا تجوز مخالفتها، ولكنّ عصر الجمود والتقليد هو
الذي أضفى على اراص المذاهب قداسة لا يقرُّها نقل ولا عقل.
وكانت قد هئت فتنةٌ بين بعض المنتسبين للعلم، وليسوا من أصلائه،
حول تفضيل صاحب مذهب فقهي على إما! مماثل، وبادرَ بعضُهم بطبع
كتابٍ يسمّى (مغيث الخلق في ترجيح القول الأحق) ينسب إلى إمام
الحرمين الجويني (ت: 478 هـ) وفيه دسَبّ صريج، وافتيات منكز على
الإمام أبي حنيفة، وكان الشيخ محمد بخيت حينئذٍ في مرضه الأخير،
حيث لقي ربَّه بعدَ أمدٍ قريب، وقد تصدّرَ لقمع هذه الفتنة الباغية، فقد
ارسل إليه مَنْ يظنُّ انَّ الرجل الكبيرَ سيكيلُ الصاع صاعين لمن شاقَّ أبا
(1)
انظر: مجلة منبر الإسلام، عدد (ربيع الأول سنة 424 اهـ)، ص 96.
86