كتاب محمد بخيت المطيعي شيخ الإسلام والمفتي العالمي
لا يعرفُ كلمات المجاملة للتقريب بين المذاهب الفقهية - وان تكون
القاعدةُ الذهبيةُ التي وضعها السيد محمد رشيد رضا -وهي (الالتقاء حول
ما اتفق عليه الجميع، ويعذرُ بعضنا بعضأ فيما اختلفنا فيه) - هي منطلق
الجهاد العلمي للتقريب الفقهي حتى يتحقق للأمة التقريب السياسي،
والتكامل الاقتصادي والتعاون في شتى المجالات، والوقوف في وحدة
وقوةٍ أمام التحديات التي تهدِّد مستقبل الإسلام والمسلمين في العصر
الحاضر، وهي تحديات خطيرةٌ لم يعرف المجتمع الإسلاميُّ لها مثيلاً عبر
تاريخه الطويل (1).
ويبدو من الحديث عن ثقافة الشيخ انّ هذه الثقافة مرّت بمرحلتين:
المرحلة الأولى: كانت بعد تخرجه في الأزهر، وعمله بالتدريس، ثم
القضاء، إلى ان عُين مفتيأ للديار المصرية، وفي هذه المرحلة غلب على
ثقافة الشيخ التعويل على التراث الفقهي والأصولي، مع ذاتية مستقلة في
الموازنة والترجيح يُعبِّر عن هضمٍ لهذا التراث، وإحاطة علمية بما اشتمل
عليه من اَراء واجتهادات، فالشيخُ في هذه المرحلة ليس مجرّدَ مستقرئ
للنصوص والاراء، ولكنّه مع هذا الاستقراء يتمتع بالاجتهاد الانتقائي دون
إغفالِ مقتضيات العصر، وضروراتِ الحياة، فهي ثقافة محافظةٌ مجدّدةٌ
ايضأ.
أما المرحلة الثانية: فتبدأُ بعد أن أصبج مفتيأ، واستمرّت إلى وفاته،
وفي هذه المرحلة تطؤر اطِّلاع الشيخ، وتجاوز التخصص العلمي الدقيق
إلى الدراسات الأدبيّة والتاريخية والاجتماعية والفلسفية، مع المتابعة
(1)
لو ركز التقريب على المصالح المشتركة -أي: التقريب السياسي
والاقتصادي والتعاون في شتى المجالات الإنسانية - وترك المجال
الديني؟ لكان قد حقق كثيراً من التقدم المنشود (ن).
91