كتاب محمد عمارة داعية الإحياء والتجديد الإسلامي

بذلك يقدم لنا الدكتور محمد عمارة رؤية الاَخر الأوروبي للعلمانية التي
نشأت وسادت في بلادهم -الأوروبية - والممازق التي أصابت المسيحية
منها، وايضأ المأزق الذي وقعت فيه العلمانية نفسها، وهذا يدلل على
صدقية الرؤى التي طرحها الدكتور محمد عمارة في التحذير من النموذج
العلماني، وفي نقد هذا النموذج.
16 - التعددية: الرؤية الإسلامية والتحديات الغربية (1):
يعرف الدكتور محمد عمارة التعددية على انها تنوع مؤسس على تميُّز
وخصوصية، وهي مستويات يحددها الجامع والرابط، والرؤية الإسلامية
قصرتِ الوحدانية على الذات الإلهية وحدها، دون كل المخلوقات
والمحدثات والموجودات، لذلك فالتعددية في كل الظواهر المخلوقة سنة
من سنن اللّه تعالى.
لذلك يؤكد الدكتور محمد عمارة على أنَّ السبيل الإسلامية التي حددها
الإسلام، وتميّزتْ بها شريعتُه في حلِّ التناقضات بين فرقاء التعددية، جاءت
طبيعتها واَلياتها ومقاصدُها لتكرّس قيامَ هذه التعددية عند المستوى الوسطي،
الذي لا يذهبُ بها إلى إلغاء الاَخَرِ ونفيه، ولا إلى التشرذمِ والقطيعةِ التي
لا رابطَ ولا جامعَ يوحِّد بين فرقائها (2).
وبناء على أنّه بضدِّها تتميّز الأشياءُ، فإنَّ الحضارة الإسلامية تميّزت
بالإيمان بالتعدد، وطبّقت ذلك في مختلف الميادين، وعلى كلّ
المستويات، فلو قارنا ذلك مع الغرب وحضارته فسنرى لأيّ مدًى طبق
الإسلام التسامج مع أهل الديانات الأخرى، بدليل وجود الديانات السابقه
على الإسلام في البلاد التي فتحها المسلمون، وتمتعت هذ 5 الاديان كلّها في
(1)
(2)
صدر هذا الكتاب عن مكتبة نهضة مصر، عام 997 أم، في 65 صفحة.
التعددية، ص 18.
116

الصفحة 116