ظل الإسلام بالتعددية التي حافظت على علاقاتها، فقد طوى الإسلامُ صفحة
الحروب الدينية.
وفي الغرب نجد العكسَ تمامأ، فشارلمان (742 - 814 م)، فرض
النصرانية على السكسونيين بالسيف، وغيرُه عشرات الامثلة، وهذا ما يؤكّدُ
أنه حينما امتدّ نفوذ وحكم الحضارة الغربية، امتدَّ الإنكار للتعددية،
فالحضارة الغربية لم تعرف التعددية سبيلاً إلى التعايش مع الاخرين.
عمل الغربُ في فترات استعماره للعالم الاسلامي على فرض نموذجه
الفكري الحضاري على العالم الإسلامي، وعلى ضرب النموذج الإسلامي
القائم على التعددية الحضارية، أقاموا مجموعةً من المتغربين للدعوة إلى
النموذج الغربي، كما أقامت المؤسسات التنصيرية مدارسَ وجامعاتٍ لتخرّج
أجيالاً مؤمنة بالفكر الغربي، وتدعو إلى تطبيقه في العالم الإسلامي، أدى
ذلك -كما يقول الدكتور محمد عمارة - إلى تترُّسِ هؤلاء الأعداء والعملاء في
محاولة صرفِ إلامة عن مرجعية إلاسلام في المشروع النهضوي: فمن حداثةٍ
تقيمُ قطيعةً صريحة مع الإسلام وتاريخه وتراثه، إلى مركسةٍ للإسلام تجعله
مجرّدَ بناءً فوقي لقوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، إلى وضعيةٍ تفرِّغ الإسلامَ
من محتواه كدين، إلى علمانية تعزلهُ عن كل ميادين الاجتماع الإنساني
والعمران البشري، والمحصلة النهائية بجميعها هي إلغاء "التعددية" في
المرجعيات الحضارية، وبذلك لا تتميزُ الحضارة الإسلامية بمرجعيتها
المميزة.
ولكنّ التحذير الذي يوجهه الدكتور محمد عمارة هو الخوفُ من أ ن
الأقليات النصرإنية التي تدين ببقاء عقائدها وكنائسها للتعددية الإسلامية،
هذه الأقليات تكاد تُخْتَرَقُ من قِبَلِ الغرب، ويتم تحويلها إلى فيتو ضد
حاكمية الشريعة الإسلامية التي ضَمِنَتْ لها وجودَها، فيجب الحذر الشديد
من ذلك.
117