كتاب محمد عمارة داعية الإحياء والتجديد الإسلامي

صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وأحياها بالسقي والري، ولم تخرج الأحكام
السياسية عن المذاهب الشرعية، لأنَّها اصل، وجميع مذاهب السياسات
عنها بمنزلة الفرع. . . لأنَّ الشريعة والسياسةَ مبنيان على الحكمة المعقولة لنا
أو التعبدية التي يعلم حكمتها المولى سبحانه. . . فينبغي تعليمُ النفوس
السياسة بطرق الشرع لا بطرق العقول المجردة " (1).
وعلى عكس ما يراه التيار العلماني والتغريبي أن رفاعة الطهطاوي افتُتِنَ
بالحضارة الغربية، وتمنّى أن نعمل بها، وترجم له الدكتور رفعت السعيد من
أصحاب التيار اليساري المصري، يرى الدكتور عمارة ان هؤلاء أخطؤوا في
القراءة الخاصة بالطهطاوي، واقتطعوا النصوص من سياقها، واجتزؤوا
النصوصَ بعيداً عن سياقها.
يرى الدكتور عمارة أنَّ الطهطاوي خبرَ ثقافة الحداثة الأوروبية بباريس
فراها دنيوية طبيعيةً لا دينية، لذلك ميّزَ بين علوم المادة والتمدن المدني،
وبين ضلال الفلسفة الوضعية عن السبيل الإيماني، فانحازَ للإسلام كدينِ
وحضارةٍ في مواجهة التغريب اللاديني، فهو يرى أنْ نبدأَ من حيث انتهت
اوروبة في الحضارة المادية، مع الاحتفاظ بالمقوّمات الحضارية للأمة
الإسلامية، فهو يريدُ أن يوقِطَ أممَ الإسلام من النوم؟ كي يبحثوا في العلوم
المختلفة، والفنون والصنائع التي تخلّفنا فيها. . فهو يدعو إلى مخالطة
الأوروبيين، والتفاعل معهم، والأخذ عنهم فيما لا يخالِفُ القيمَ والثوابتَ
والشريعة والدين.
ويقسّم رفاعةُ الحريات إلى خمسة أنواع. ويلجأ إلى تفسيرات
وتقييدات، وفي النوع الثالث وهو الحرية الدينية، ويقصد به: العقيدة
(1)
الطهطاوي: الأعمال الكاملة، تحقيق الدكتور محمد عمارة، بيروت
973 ام: 159/ 3.
190

الصفحة 190