التغريب والعلمانية الذي بدأه نصارى الشوام في مصر؟ مثل: مجلة
(المقتطف)، وصحيفة (المقطم)، ولكن عندما ظهر كتاب (الإسلام وأصول
الحكم) للشيخ علي عبد الرازق في سنة (925 1م)، فكان أوّلَ مسلمٍ يسعى
إلى زرع العلمانية في العقل الإسلامي، وفي واقع المسلمين، وتصور
انها حل لمشاكل المسلمين، فالإسلام عنده دين لاسياسة، رسالة
لاحكم، وروحانية لادولة، والخلافة الإسلامية كهنوت، والخليفةُ
مستبدٌّ لا يسال عما يفعل، لأنه يستمد سلطانه من اللّه تعالى.
وعلى رأس الردود التي وُجِّهت للكتاب رد الشيخ محمد الخضر حسين،
وهو من أهمّ الردود التي استخدم صاحبها فيه الدليل والرأي في نقد أفكار
الكتاب، ويرى الدكتور محمد عمارة أنه يؤمن: " باًنّه لا شيءَ يهمُّ في ترشيد
الحركة الفكرية بفصائلها وتياراتها المختلفة، مثل الوعي بالمقولات موطن
الخلاف، والإحاطة الواعية بمعالم الصراع الفكري الخصب الذي دار حول
هذه القضية الجوهرية من قضايا ديننا ودنيانا. . وتأمل وثائقها الفكرية التي
جمعت حجج مختلف الأطراف والفرقاء، ثم الانطلادتى من ذلك وبعده إلى
الإبداع والإضافة، مواكبة للجديد الذي يطرحه الواقع الذي تعيش فيه " (1).
وهذا هو جوهر المشروع الفكري للدكتور محمد عمارة.
قدم الدكتور محمد عمارة في دراسته ترجمة وتعريفأ بالشيخ محمد الخضر
حسين وفكره، وطريقته في الرد على هذا الكتاب، وأيضأ على كتاب (في
الشعر الجاهلي) لطه حسين، فنَّده فِقرةً فِقرةً، وفِكرةً فكرةً، مع أدب رفيع
في الحوار، وبراعة في الجدل، كشفت عن عقل متمكن ومتمرس في
ميدان البحث والمناظرة، يغترِفُ صاحبه من معينِ علمٍ لا يغيض (2).
__________
(1) نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم، ص 6.
(2) المصدر السابق، ص 17.
208