كتاب محمد عمارة داعية الإحياء والتجديد الإسلامي

الوافد اليوناني على وجه الخصوص، لا سيّما وأنَّ الفلسفة اليونانية قد
استنفرت كثيرأ من الفقهاء وعلماء الكلام في الردّ والتأليف، ولكن في هذه
الحالة كانت الدولةُ ومؤسساتُها ملتزمةً مع الأمة، ومع المذاهب الكبرى
الفقهية والكلامية، وبالمرجعية الإسلامية كأساس لها، كما انَّ هذا الوافدَ
كان قادمأ باختيار النخبة من الأمة، الذي وظفته في الدفاع عن عقائد الإسلام
ضد خطر الجماعات الصوفية والباطنية.
بينما تغير الموقف في العصر الحالي، فقد جاء هذا الوافد الغربي في
ركاب غزوة بونابرت الاستخرابية، وكان غرض الغرب استخدام هذه الأفكار
في محاولة السيطرة على عقلية الشردتى وتوجيهها إلى الوجهة الذي يريدها
الغرب، وكانت الأمة في ذلك الوقت في حالة تراجع وانهيار حضاري،
وعدم قدرة على الرد على الغرب.
وعندما بدات مرحلة الاستقلال الوطني في دول العالم الإسلامي ظلّت
النخب العربية التي تعلّمت وتعلّقت بالغرب، تحافِظُ على النموذج الغربي
معتقدة أنّه الوسيلة والطريق للتقدم، ولكنّها تناست انَّ هذا النموذج لا يصلح
للبيئة الإسلامية عمومأ، لانه نبت في تربة مغايرة تمامأ.
لذلك يدعو الدكتور محمد عمارة فرقاء الأمة إلى الحوار الفكري في
محاولة لايجاد سبل للمشروع الحضاري للأمة، ويعالج بهذا الحوار
الموضوعي الجاد الانقسام الفكري غير المسبوق في تاريخنا، من حيث
الحجم والحدة، ومن حيث التحديات الخارجية، الفاعلة والمتربصة (1).
لذا بدأ الدكتور محمد عمارة الحوار حول مصطلح التنوير، وما المقصود
به واصوله؟ هل هي عربية أم غربية؟ والتنوير العلماني في جيل الرواد،
ومحاولة البعض لمركسة الإسلام! وناقش ثلاثة نماذج مهمة جدّاً؟ وهم:
(1)
الإسلام بين التنوير والتزوير، ص 9.

الصفحة 94