كتاب وسطية أهل السنة بين الفرق
بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من أهل السنة والجماعة في كل زمان ومكان، الدين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافتراق1 بأنهم الفرقة الناجية، وأنهم الجماعة.
فهؤلاء جميعًا هم خيار هذه الأمة، وأوسطها.
فإنه بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه، ومضي عصر الخلافة الراشدة بدأ في آخر عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ظهور التفرق والاختلاف، فخرجت الخوراج ببدعها وأطلت الشيعة بغلوها وفتنها، ثم توالى ظهور البدع وتكون الفرق كما سيأتي ذكر ذلك.
وكل من هذه الفرق قد خالف ما كانت عليه الأمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصدر الخلافة الراشدة، وابتدع في الدين ما لم يأذن به الله، وانحرف عن سواء الصراط؛ إما إلى تفريط، أو إلى إفراط، وشابه الأمم الأخرى في بعض بدعها؛ فانحطت منزلة هذه الفرق، وابتعدت عن الوسطية الثابتة لهذه الأمة على تفاوت بينها في قدر ذلك ومبلغه.
وأصبح أهل السنة في هذه الأمة بالنسبة لسائر الأمم، فهم وسط بين فرقها كما أنها وسط بين الأمم.
يدرك هذا المعنى كل دارس متفحص لأقوال أهل السنة وأقوال الفرق الأخرى في كثير من مسائل العقيدة وأبواب الدين.
إذ يجد أمر هذه الفرق يدور بين الغلو والإفراط، وبين التقصير والتفريط، وأهل السنة بين إفراط أولئك وتفريط هؤلاء على هدي قاصد وصراط مستقيم.
ولما كانت الحاجة تمس لتقرير وسطية أهل السنة والجماعة، وبيان اعتدالهم في أقوالهم واعتقادهم وسائر أمورهم، ولا سيما في هذا الوقت الذي
__________
1 سيأتي نصه وتخريجه ص 48.
الصفحة 7
526