كتاب كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الآخرين في العصر الرقمي
24
هى مجرد ميدان حرب، ومن نواح عديدة، فإن هذه الثقافة القائمة على
الانتقاد والشكوى هى الحقيقة المؤسفة التى نحياها.
ومع ذلك فإن الشخص الذى يتمتع بالقدرة على التأثير فى الآخرين
يدرك أن مثل هذه الحماقات تزيد من سرعة السيرفى اتجاه انهيار العلاقات
مهما كنت على صواب ومهما ظل الآخرون على خطأ، فمثل هذه التكتيكات
فى الغالب تهدم أكثر مما تبنى، لأنها توحى بوجود دافع كامن ومتحيز من
جانب واحد فقط سواء كان موجودا فعلا أم لا. وبالتالى فإنها تنقل أى تفاعل
من مرحلة الألفة إلى مرحلة التوتر، فلا عجب فى أن لدينا رءوسا متحركة
أكثر من القادة الفعليين فى الوقت الحالى. والتأثير دائما فى خطر، ولكن
الكثيرين منا لا يريدون أكثر من فرض آرائهم، وهذا الأمر لا يتسبب فى خلق
تجربة سيئة فقط، بل إنه لا يفعل شيئا سوى تأجيج التوتر وزيادة الفجوة بين
أية رسالة والتعاون المفيد.
ومع ذلك، فعندما يظهر قائد حقيقى، لا خلاف على أن العكس هو
الذى يحدث 0 كان هناك حينئذ عدد قليل أكثر إلحاحا من المتواصلين من
المتلقين للبيان الذى أصدره ''إبراهام لينكولن '' لتحرير العبيد. وكان الرئيس
"لينكولن" مشهورا منذ زمن طولل بأنه شخص يتعامل مع المواقف المتوترة
باتزان وكياسة، ويعد رد فعله تجاه أى خطأ تكتيكى ضخم خلال أية لحظة من
لحظات الذروة فى الحرب الأهلية خير مثال على ذلك.
فقد تم خوض معركة ''جيتيسبيرج'' خلال الأيام الثلاثة الأولى من يوليو
عام 1863. وفى ليلة 4 يوليو، بد أ الجنرال ''روبرت إى 0 لى' فى التراجع
نحو الجنوب عندما أغرقت السحب العاصفية الملبدة بالغيوم البلد بالمطر،
وعندما وصل ''لى'' إلى نهر "بوتوماك" مع جيشه المهزوم، وجد أمامه نهرا
متراميا لا يمكن اجتيازه، وجيش الاتحاد منتصرا وراءه، أى أن "لى" كان
محاصرا. وعندئذ لاحت فرصة ذهبية لجيش الاتحاد لأسر جيش "لى''
وانهاء الحرب على الفور، وبموجة من الثقة المفرطة، أمر "لينكولن'' الجنرال
''جورج ميد" بعدم توجيه الدعوة لعقد مجلس للحرب ولكن أن يهاجم "لى"