كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى - ت كوشك

ونحن ننتفي من القول بالمال الذي ألزمتموه لنا، ونعتقد نحن وأنتم أنه
كفر، بل نقول: إن قولنا لا يؤول إليه على ما أصلناه.
فعلى هذين المأخذين اختلف الناس في اكفار أهل التأويل، وإذا فهمته
اتضح لك الموجب لاختلاف الناس في ذلك.
والصواب ترك إكفارهم، والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران، وإجراء
حكم الإسلام عليهم في قصاصهم ووراثاتهم، ومناكحاتهم، ودياتهم، (216/ أ)
والصلاة عليهم، ودفنهم في مقابر المسلمين، وسائر معاملاتهم، لكنهم يغلظ
عليهم بوجيع الأدب (1)، وشديد الزجر والهجر، حتى يزجعوا عن بدعتهم.
وهذه كانت سيرة الصدر من السلف (2) الأول فيهم، فقد كان نشأ على زمن
الصحابة وبعدهم في التابعين من قال بهذه الأقوال من القدر، ورأي
الخوارج، والاعتزال، فما أزاحوا لهم قبرا، ولا قطعوا لأحد منهم ميراثا،
لكنهم هجروهم وأدبوهم بالضزب، والنفي، والقتل على قدر أحوالهم،
لأنهم فساق، ضلأل، عصاة، أصحاب كبائر عند المحققين وأهل السنة ممن
لم يقل بكفرهم منهم، خلافا لمن رأى غير ذلك، والله الموفق للصواب.
قال القاضي أبو بكر: وأما مسائل الوعد والوعيد (3)، والزؤية (4)،
(1)
(2)
(3)
(4)
أي بالعقوبة الموجعة من القيد والضرب والحبس.
قوله: "من السلف "، لم يرد في المطبوع.
(الوعد والوعيد): هذا القول أصل من أصول المعتزلة الخمسة، ويعني أن كلا من وعد الله
ووعيده نازل لا محالة. فقد قالوا: إذا أوعد عبيده وعيدا فلا يجوز أن لا يعذبهم، ويخلف
وعيده، لأنه لا يخلف الميعاد، فلا يعفو عمن يشاء، ولا يغفر لمن يريد بزعمهم!! وقال
جمهور أهل السنة: إن وعد الله تعالى بإثابة الطائعين لا يلحقه خلف، وهو فضل منه سبحانه
وتعالى، أما وعيده بمعاقبة العصاة فعائد إلى مشيئته، وعفو الله عن العصاة مأمول وغير
بعيد. وللمزيد: انظر العقيدة الإسلامية والفكر المعاصر للدكتور سعيد رمضان البوطي
ص (55)، وشرح العقيدة الطحاوية ص (526)، والملل والنحل ص (49 - 50)،
والإنصاف للباقلاني ص (48 - 0 5).
المعتزلة، والنجارية، والجهمية، والروافض، والخوارح، ينكرون رؤية الله تعالى في
الاخرة، ولا يرع زونها بوجه. أما أهل السنة والجماعة فقد جوزوا رؤية الله سبحانه تعالى=
860

الصفحة 860