كتاب المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية

الإنسان الذي يسعى إلى معرفة الحق، هل الذي بين يديَّ الآن هو الذي نطق به رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، سواء أكان قرآناً، أم سنة صادرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
فمن أجل الإجابة على هذا السؤال وُجِدَ ما يقرب من عشرين علمًا، تتعلق بعلم الرجال وعلم الأسانيد، وعلوم الجرح والتعديل، وعلوم مصطلح الحديث، علوم كثيرة تحاول أن تضبط المسألة.
ليس هناك كتاب على وجه الأرض له تلك الأسانيد المتصلة، التي يقول كل قارئ للقرآن فيها (والقارئ هنا معناه: متحمل القراءة، وعالم القراءة) لقد سمعت هذا الكلام حرفًا حرفًا بالتشكيل، وعلى هذا الخط الموجود أمامنا، من شيخي الذي ولد يوم كذا وتوفي سنة كذا، وكان اسمه كذا وكان يضحك ويقول كذا وكذا، وكان يبكي
في المواقف الفلانية، تاريخ حياته كاملًا موجود في ملف في هذا العلم، وهذا الشيخ يقول أيضًا: إنه سمع هذا الكلام عن شيخ آخر، وله كل هذه المواصفات، ليس هناك أحد في هذا السند من المجاهيل التي لا نعرفها، فنحن وحتى الآن نعرف كل واحد في هذه السلسلة، وهذا النقل ليس عن شخصٍ واحدٍ يمكن أن يكذب، ويمكن أن يخطئ، ويمكن أن يضعف في موقف معين، لا عن ألف، بل قد يكون عن آلاف،
فابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر، أورد ما يقرب من ألفى طريق للقرآن، وكتاب النشر هذا، كتاب واحد، حصر ألف طريق، كأن هناك ألفًا قد تلقى عنهم ابن الجزري، وهؤلاء الألف قد تلقوا عن ألف من مشايخهم وهكذا، والأمر أعظم من هذا بكثير.
إن المسلمين يفتخرون بكتابهم، وأنه محفوظ عليهم، وأنه وارد إليهم بالأسانيد التي لو قارناها بكتب الديانات الأخرى، لوجدنا أن التوراة مثلًا يقول ابن حزم عنها:
لها سندُ واحدُ فقط، آخر شخصٍ في السند بينه وبين سيدنا موسى - صلى الله عليه وسلم - ألف سنة أو أكثر.
كما أنه لا توجد النسخة الأصلية من الإنجيل، وإنما الذي يوجد له ترجمة يونانية، ومع ذلك، فمن المتُرجِم؟ لا نعرف.
مسألة مضحكة، ومحزنة، ومخزية أن يظل العقل البشري في حيرة من أمره أمام هذا الوضوح البين، بين مقارنة ظاهرية سطحية، تثبت من كل جهة قبل التعمق أن هذا

الصفحة 11