كتاب المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية

ابن الصلاح في مقدمته يرشد الطلبة والنساخ إلى كيفية كتابة النصوص، ونقلها، والتأكد من صحتها بمصطلحات هي أنقى وأبر من مصطلحات المستشرقين وأضبط،
ومن ضمن ما ذكره ابن الصلاح: أنه ينبغي على القارئ عند القراءة إذا ما وجد سقطًا أو خطأ أن لا يصلح في أصل النسخة، خيفة أن يكون ما ظنه سقطًا، أو خطأ ليس كذلك، بل على القارئ أن يصلح في الهامش وأن يشير بعلامة " صح " فوق الكلمة، ويخرج في الهامش ويقول ما يريد، سواء أكان من عنده أم كان من نسخة أخرى،
حتى يدع لآخرين من بعده ينظرون في هذه النسخة، ولا يقطع عليهم الطريق، ولا يحرف كلام الناس، وحتى لا يصبح عنده تسلط على الآخرين في العلم، وأن ما ذهب إليه قطعي، وأن ما ذهب إليه لابد على الناس جميعًا أن يتمثلوا به.
وتثبت أيضًا السماعات على النسخة، ومعنى السماعات: أن يقول المتلقي للكتاب مثلًا: " سمعت هذا الكتاب من الشيخ الفلاني، حيث قال لي: إنه سمعه من الشيخ الفلاني بتاريخ كذا في المكان الفلاني "، فيحدد الشخص، والزمان، والمكان، حتى إذا ما كان هناك اشتباه في الأسماء بين المشايخ يحدث تمييز بينهم بالتاريخ، وإذا ما كان هناك كذب، أو زيادة قد حرفها محرف، أو وضعها واضع، تتضح هذه عند العلماء
الذين يعرفون..
وبهذه الطريقة كشف عن كثير من أنواع التلاعب، وهذا علم قائم بذاته.
الحقيقة أن تحول المناهج إلى تلك الملكات، هي التي نفتقدها نحن الآن، نحن
أصبح عندنا معلومات، ولم يعد عندنا علم.
والفرق يينهما: أن المعلومات مفردة، والعلم نسق مرتبط بعضه مع بعض، له منهج، وله استعمال، وهذا هو الفرق بين العالم والمثقف، فالمثقف عنده كثير من المعلومات في مادة معينة، لكن ليس عالماً في هذه المادة، وقد تفوق معلوماته معلومات بعض علماء هذه المادة، لكن لابد علينا أن نعي المنهج، وأن نعي طرق الاستعمال، وأن نعي الربط بين المعلومات، وأن نعي المعلومات أيضًا حتى نُحصِّل علمًا معينا.
وضع العلماء طرقًا ثمانية من طرق التحمل - أي تحمل العلم - أيضًا أخذوها من الحديث بعضها يتعلق بطريقة الأداء:

الصفحة 13