كتاب المعين على تفهم الأربعين ت دغش

أن هذا بخلافِ عادَةِ السَّائل الجاهِل، إِنَّما هذا كلام خبيرٍ بالمسؤولِ عنا، ولم يكن في ذلك الوقت مَن يعلمُ هذا غيرَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - " (¬1).
الحاي بعد العشرين: "الإِحْسَانُ" مصدر أحسَنَ إحسَانًا، ويتعدى بنفسه كـ: أحسنتُ كذا، وفي كذا، إذا حسَّنته، وهو منقول بالهمزة من حسَّن الشيءَ، ومتعدٍّ بحرف الجرِّ، وهو هنا بالمعنى الأول دون الثاني، إذْ حَاصِلهُ راجعٌ إلى: إتقَانِ العِبَادات، ومُراعاةِ حقوق الله تعالى فيها، ومُراقبته، واستحضار عظمته وجَلالته حالَة الشُروع، وحالة الاستمرار فيها.
وأرباب القلوب في هذه المُراقبة على حَاليْن:
أحدهما: غالب عليه مشاهدة الحوق، فكأَنَّهُ يراه. ولعل الشارع أشار إلى هذا بقوله: "وجُعِلَت قُرَّةُ عيْنِي في الصَّلاة" (¬2).
الثاني: مَن لا ينتهي إلى هذه الحالة، لكن يغلب عليه أنَّ الحقّ سبحانه مُطَّلِع عليه، ومُشاهِد له، وإليهِ الإشارة بقوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219)} [الشعراء: 218، 219]، وبقوله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ} [يونس: 61] الآية.
وهاتان الحالتان ثَمرةُ معرفَةِ (¬3) الله تعالى وخَشْيَته، ولذلك فَسَّرَ الإحسان
¬__________
(¬1) "شرح صحيح مسلم" للنووي (1/ 272).
(¬2) رواه أحمد (19/ 305 رقم 12293، 12294)، والنسائي (7/ 61 رقم 3939، 3940)، وفي "الكبرى" (8/ 149 رقم 8837، 8836)، وأبو يعلى (6/ 199 رقم 3482، 3530)، وأبو عوانة (3/ 14 رقم 4020، 4021)، وأبو الشيخ في (أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - (3/ 443 رقم 727)، والطبراني في "الأوسط" (6/ 54 رقم 5772)، و"الصغير" (2/ 39 رقم 741)، والحاكم (2/ 160)، والبيهقي (7/ 78)، وصححه الحاكم، وصحح إسناد النسائي المؤلف في "البدر المنير" (1/ 501) وانظر تخريجه عنده، وحسَّنه ابن حجر في "التلخيص" (3/ 116)، وصححه الألباني "الصحيحة" (7/ 2 / 859 رقم 3291).
(¬3) في الأصل: "معرفة ثمرة معرفة .. " والصواب حذف الأولى. انظر: "المفهم" (1/ 143).

الصفحة 111