كتاب المعين على تفهم الأربعين ت دغش

ويحتمل على هذا القول ألا يختص هذا بأُمَّهات الأولاد، فإنه يُتَصَوَّرُ في غيرهِنَّ، فإنَّ الأَمَةَ تَلِدُ ولدًا آخر مِن غير سيدها بشُبْهَةٍ، أو رقيقًا بنكاح، أو زنًا ثم تُبَاعُ الأَمَةُ في الصورتين بيعًا صحيحًا، وتَدُور في الأيدي حين يشتريها ولدها، وهذا أكثر وأعَمّ من تقديره في أمهات الأولاد، وقيل فيه غير ذلك.
ومنهُ: أنْ يَكثُرَ العقُوقُ في الأولاد، فيُعَامِلُ الولدُ أُمه معامَلَةَ السَّيد أَمَتَهُ مِنَ الإهانةِ والسبِّ. ويَشْهَدُ لذلك حديث أبي هريرة "المرأة" مكان "الأَمَة" (¬1)، وحديث: "لا تَقُومُ الساعةُ حتى يَكُون الوَلَدُ غيْظًا" (¬2).
الخامس بعد العشرين: استَدَلَّ بهذا الحديث إمامان على بيع أُمَّهَات الأولاد ومنْعِهِ، وليسَ فيه دِلالةٌ لِواحِدٍ منهما، فإنَّهُ ليسَ كلُّ ما يخبِرُ به الشَّارع بكونه مِن علامات الساعة يكون مُحَرَّمًا أو مذمومًا: فإنَّ تطاول الرعاء في البنيان، وتيسير المال (¬3)، وكون خمسين امرأة لهن قيِّم واحِدٌ (¬4) ليسَ بحرام، وإنما هذه علاماتٌ، والعلامة تكون بالخَير وغيره (¬5).
¬__________
(¬1) تقدَّمَ تخريجه، وهذه اللفظة في البخاري (6/ 115 رقم 4777).
(¬2) رواه الطبراني في "الأوسط" (6/ 284 رقم 6427)، والقضاعي في "الشهاب" (2/ 92 رقم 949) بإسناد ضعيف. قال الهيثمي فيه في "المجمع" (7/ 325): "فيه جَمَاعة لم أعرفهم".
قلتُ: في إسناده المؤمل بن عبد الرحمن بن العباس، ضعفه أبو حاتم الرازي؛ وقال الدارقطني: "وقد تفرد به". قال ابن عدي: "عامة حديثه غير محفوظ". انظر: "الجرح والتعديل" (8/ 374)، و"الكامل" (6/ 441)، و"الميزان" (4/ 229).
وإسماعيل بن يعلى أبو أميَّة الثقفي: "متروك". انظر: "المجروحين" (1/ 133)، و"الميزان" (1/ 254).
(¬3) فيه عِدَّةُ أحاديث منها: ما رواه البخاري (2/ 108 رقم 1412)، ومسلم (2/ 701 رقم 60/ 157) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقومُ الساعةُ حتى يَكْثُرَ فيكم المال" الحديث.
(¬4) روى البخاري (1/ 27 رقم 81)، ومسلم (4/ 2056 رقم 2671) عن أنس قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مِن أشراطِ السَّاعة: أنْ تكْثُر النساءُ، وَيَقِلَّ الرجال، حتى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيمُ الوَاحِدُ".
(¬5) "شرح النووي لمسلم" (1/ 274).

الصفحة 116