كتاب المعين على تفهم الأربعين ت دغش

وقال عبد الرحمن بن مهدي: "يدخلُ هذا الحديث في ثلاثين بابًا مِنَ الإرَادَات والنيَّات" (¬1).
وقال أبو عُبَيْد: "ليسَ شيءٌ مِن أخبارِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حديث أجمع وأغنى وأكثر فائدة وأبلغ من هذا الحديث" (¬2).
الوجه السابع: هذا الحديثُ مِنْ أَجَلِّ أعمال القُلوب والطَّاعات المتعلِّقَةِ بها، وعليه مَدَارُها وهو قاعِدَتُها، فهو قاعِدَةُ الدِّين؛ لِتَضَمُّنه حكم النِّيات التي محلها القلب، بخلاف الذِّكر الذي مَحَلّه اللِّسان.
ولهذا لو نَوَى الصلاة بلسانه دونَ قلبِهِ لم تصح، ولو قرأ الفاتحةَ بِقَلبه دونَ لسانه لم تصح (¬3)، فهو أصلٌ في وجُوب النيَّة في سائر العبادات، لأنها كالأرواح للأشباح (¬4).
الوجه الثامن: هذا الحديثُ أصلٌ في الإخلاص أيضًا، وشواهِدهُ كثير مِنَ الكتاب والسنّة، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5].
وقال رسوله -عليه أفضَل الصلاة والسلام-: " ... ولَكِنْ جِهادٌ ونِيةٌ" (¬5).
الوجه التاسع: افتتحَ المُصَنِّفُ -رحمهُ اللهُ تعالى- "أربَعينَهُ" بهذا الحديث؛ اقتداءً بالسَّلَف -رحمهم الله- فإنَّهم كانوا يَسْتَحِبُّونَ افتتاحَ
¬__________
(¬1) ذكره عنه في "البدر المنير" (1/ 663)، و"فتح الباري" (1/ 17).
(¬2) انظر: "البدر" (1/ 663)، و"فتح الباري" (1/ 17)، و"منتهى الآمال" (54).
(¬3) قارن هذه الفائدة بـ "التعيين" (44).
(¬4) يعني: كالروح للجسد، والشبح يطلق على الشخص أو ما بدا لك شخصُهُ مِن الناس وغيرهم من الخَلْق. "تهذيب اللغة" (4/ 191).
(¬5) رواه البخاري (4/ 15 رقم 2783، 2825، 3077، 3189)، ومُسلِم (2/ 986 رقم 1353)، (3/ 1487 رقم 85، 86) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

الصفحة 82