كتاب الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي حكم عليها الحافظ ابن كثير في تفسيره

صحيح مسلم، وقد تكلم عليه علي بن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب الأحبار، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعلوه مرفوعا، وقد حرر ذلك البيهقي. (¬1) (البقرة: 29)
31 - عن عبد الرحمن بن سابط أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "دُحِيت الأرض من مكة، وأول من طاف بالبيت الملائكة، فقال الله: إني جاعل في الأرض خليفة، يعني مكة". (¬2)
وهذا مرسل، وفي سنده ضعف، وفيه مُدْرَج، وهو أن المراد بالأرض مكة، والله أعلم، فإن الظاهر أن المراد بالأرض أعم من ذلك. (البقرة: 30)
32 - وقال ابن أبي حاتم: ... عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول: السّجِلّ ملك، وكان هاروت وماروت من أعوانه، وكان له في كل يوم ثلاث لمحات ينظرهن في أم الكتاب، فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور، فأسَر ذلك إلى هاروت وماروت، وكانا من أعوانه، فلما قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} قالا ذلك استطالة على الملائكة.
وهذا أثر غريب. وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الباقر، فهو نقله عن أهل الكتاب، وفيه نكارة توجب رده، والله أعلم. ومقتضاه أن الذين قالوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط، وهو خلاف السياق. (البقرة: 30)
وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم - أيضًا - ... عن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: إن الملائكة الذين قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} كانوا عشرة آلاف، فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم.
¬_________
(¬1) الأسماء والصفات (ص276) وللعلامة عبد الرحمن المعلمي كلام متين في تصحيح هذا الحديث ورد الشبه عنه في كتابه "الأنوار الكاشفة" (ص185 - 190)، وكذلك الحويني في تحقيقه لابن كثير (2/ 229 - 233).
(¬2) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 108)، تفسير الطبري (1/ 448)، وقال أحمد شاكر في الحاشية: (.. أما إرساله: فإن"عبد الرحمن بن سابط": تابعي، وهو ثقة، ولكنه لم يدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل لم يدرك كبار الصحابة، كعمر وسعد ومعاذ وغيرهم).

الصفحة 33